عماد الدين أديب يكتب:
سر كراهية أردوغان للأمير محمد بن سلمان
بعد أن تحدثنا عن سر كراهية أردوغان للرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد.. اليوم نحاول الإجابة عن سؤال: سر كراهية هذا الرجل للأمير محمد بن سلمان؟
مساء الأربعاء 21 يونيو 2017 اتصل رجب طيب أردوغان بالملك سلمان بن عبدالعزيز، والأمير محمد بن سلمان هاتفياً، مهنئاً القيادة السعودية بتولي الأمير محمد ولاية العهد في السعودية.
وفي هذه المكالمة التي أجراها أردوغان أكد الرجل أهمية تدعيم العلاقات بين أنقرة والرياض، وشدد على أهمية بذل الجهود لتخفيف آثار الخلاف الخليجي مع قطر.
كان أردوغان يعتقد، ولا يزال، أنه الأذكى والأكثر شطارة في عقد الصفقات وجذب الاستثمارات واستمالة الأنصار، لكن تناسى أن القيادة في الرياض ترصد عن قرب وبدقة علاقة أنقرة بالدوحة، وعلاقة أردوغان شخصياً بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وآراء أردوغان في حكام الإمارات والسعودية ومصر التي يرددها في الغرف المغلقة مع أصدقائه الأمريكيين.
لم يفهم أردوغان حقيقة شخصية الأمير محمد بن سلمان التي من الممكن أن تقبل عن طيب خاطر أي رأي مخالف مهما كان ما دام يصدر عن صدق نية وأسباب عملية ومنطقية.
هكذا وصل أردوغان في عدائه للمملكة وولي عهدها إلى نقطة تقترب جداً من نقطة اللاعودة.. إن خلاف أردوغان مع الأمير محمد بن سلمان هو خلاف النقيض مع النقيض، والضد مع الضد. الأمير محمد رجل مباشر، صريح، شجاع، يواجه، يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، أما أردوغان فهو عكس ذلك تماماً.
كان أردوغان يظن أنه يمكن أن يمسك العصا من كل الاتجاهات، و«يبيع الهواء» للجميع، بمعنى أن يحصل على الاستثمارات والودائع القطرية وأن يحصل على مشروع البتروكيماويات ومشروعات العقارات الإماراتية، وأن يزيد من ميزانه التجاري مع السعودية البالغ 3٫5 مليار سنوياً، والشركات التركية العاملة في السعودية وعددها 400 شركة بينما تبلغ الشركات السعودية في تركيا قرابة الألف تستثمر 6 مليارات دولار، في ذات الوقت الذي يتآمر فيه على الرياض وأبوظبي سراً ويعادي فيه نظام الحكم الحليف لهما في القاهرة علناً.
كان أردوغان يريد من السعودية أن تصالح قطر، وتهادن تنظيم الإخوان، وتجمد علاقاتها بمصر لأنه «الأخ المسلم السني القوي» الذي يجب أن يتم التعامل معه على أنه «خليفة المسلمين عبر بوابة إعادة أمجاد الدولة العثمانية الجديدة».
الأزمة أن قراءة أردوغان للتاريخ ناقصة ومشوشة ومضطربة، فهو لا يعلم أن العلاقة بين الخلافة العثمانية ودولة نجد والحجاز، ثم الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة، كانت دائماً مضطربة مليئة بالصعود والهبوط.
تناسى أردوغان التاريخ الاستعماري للعثمانيين في الحجاز الذي استمر 4 قرون حتى إن السلطان العثماني سلب لنفسه لقب «خادم الحرمين الشريفين» كمصدر للشرعية حتى أعاده الملك فهد بن عبدالعزيز للعرش السعودي، حيث عاد إلى مكانه الطبيعي واستمر حتى الآن، كما تناسى تمرد السعوديين على الأتراك واحتلالهم البغيض في الفترة من القرن الـ18 حتى القرن العشرين عندما اعترفت تركيا بحكم آل سعود على نجد والحجاز عام 1929.
وكانت زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز لتركيا عام 1966 هي نقطة التحول الإيجابية عقب فترة طويلة من «برود وجمود العلاقات».
أخطأ أردوغان في قراءة التاريخ، وبالتأكيد أخطأ في التعامل مع القيادة السعودية (الملك سلمان والأمير محمد) بمنطق «الخليفة العثماني في الصباح وتاجر الشنطة في المساء».
ظل الخلاف بين الرياض وأنقرة حول قضايا مصر وسوريا والعراق وفلسطين تحت السيطرة، إلى أن ظهرت «انتهازية أردوغان» في اللعب مع قطر ومحاولة استمالة إيران من أجل تحصيل أكبر قدر من الغاز والنفط والاستثمارات وبيع المنتجات التركية لسوقين تتعطشان لأي بضائع في زمن الحصار.
وجاءت نقطة الانكسار الكبرى في العلاقات بين الرياض وأنقرة عقب واقعة اغتيال جمال خاشقجي في إسطنبول.
وقتها لعب أردوغان أسوأ أدواره السياسية على الإطلاق وانكشف للجميع وجهه القبيح.
بدأ أردوغان تكنيك ابتزاز الجانب السعودي بالتلويح سراً بما يمكن أن يكشف عنه حول ملف الاغتيال، وكان موقفه الابتزازي واضحاً عند لقائه الأمير خالد الفيصل موفد الملك سلمان لبحث ملف هذا الموضوع.
وضح من هذا اللقاء أن أردوغان يمكن أن يبيع أو يشتري في هذا الملف، بمعنى أنه قادر على بيع الملف لقطر إذا لم يدفع السعودي الفاتورة المطلوبة.
الفاتورة لم تكن فقط نقداً واستثمارات، لكنه طلب أن تتخلى الرياض عن تحالفها مع أبوظبي والقاهرة، وأن تعطي غطاء للدور التركي في العراق وسوريا.
هنا ظهرت صلابة محمد بن سلمان الذي لم يستجب للابتزاز ولعبة التسريبات الصادقة والكاذبة حول جريمة الاغتيال، لم يهتز، لم يتخلَّ عن حليفيه الإماراتي والمصري، وتحمل ما لا يطيق بشر من حملات ظالمة قادها اللوبي التركي- القطري في أوروبا والولايات المتحدة.
هنا ظهر معدن الرجل الذي أدرك أن سلوك أردوغان في ملف خاشقجي يثبت أنه لا يمكن أن يكون محل ثقة وتعاون.
لم ييأس أردوغان من محاولة استمالة الأمير محمد بعدما فشل في ابتزازه، لذلك أعلن المتحدث باسمه أن هناك ترتيبات لعقد لقاء بين أردوغان وولي العهد السعودي على هامش قمة العشرين في الأرجنتين في شهر ديسمبر عام 2018 أي بعد 80 يوماً فقط من واقعة خاشقجي.
لم يحدث اللقاء، وأصيب أردوغان باكتئاب حينما شاهد نجاح وثبات ولي العهد السعودي في قمة الأرجنتين، بعدما كان رهان الدوحة وأنقرة أن حادثة خاشقجي هي الضربة القاضية.
أرسل أردوغان رجال أمنه، وقوات النخبة الخاصة التركية لحماية العائلة وأهم مراكز الحكم في قطر، وقرر أن يبني قاعدة في «سواكن» السودانية، ويضغط الآن على حكومة السرّاج لبناء قاعدة عسكرية دائمة على سواحل طرابلس الليبية.
هكذا وصل أردوغان في عدائه للمملكة وولي عهدها إلى نقطة تقترب جداً من نقطة اللاعودة.. إن خلاف أردوغان مع الأمير محمد بن سلمان هو خلاف النقيض مع النقيض، والضد مع الضد.
الأمير محمد رجل مباشر، صريح، شجاع، يواجه، يفعل ما يقول، ويقول ما يفعل، أما أردوغان فهو عكس ذلك تماماً.
هنا سر الكراهية.