هاني مسهور يكتب:

عن إعادة الانتشار.. واستراتيجية التحالف في اليمن

لم يكن قرار الحرب في اليمن لأجل الحرب، ولم تكن الحرب بذاتها هدفا سعوديا أو إماراتيا، بل كانت ضرورة بموجب محددات أساسية، أهمها حماية الأمن القومي العربي من التدخل الإيراني في اليمن، واستجابة لطلب الشرعية اليمنية، بعد انقلاب الحوثيين على المسار السياسي، المتوافق عليه يمنياً، والمدعم دولياً عبر المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية.

ولذلك فإن كل ما طرأ في المشهد اليمني، سلسلة متصلة ناشئة من 2011 تتضمن القرارات الدولية المسوغة، سواء للعمليات العسكرية، أو التي تهدف لاستعادة المسار السياسي.

ففي ديسمبر 2018 توصلت الأطراف اليمنية إلى اتفاق السويد، برعاية الأمين العام للأمم المتحدة، وتحول الاتفاق إلى قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي (2451 و2452)، يمثل هذا الاتفاق منعطفاً حقيقياً في الملف اليمني، فلم يعد من الممكن نقض القرارات الدولية، التي باتت جزءاً من المرجعيات، ومن بعد هذا الاتفاق وُجدت في اليمن توازنات مختلفة سياسياً وعسكرياً، فالحكومة اليمنية هي التي وافقت على اتفاق السويد، وقبلت بالتوازنات التي فُرضت عبر القانون الدولي.

بات من المهم، تحديد الأولويات، بأن اليمنيين عليهم أن يحاولوا كسر الجمود السياسي، لأن حالة التصلب القائمة سياسياً منذ مشاورات الكويت 2016 لم تعد مبررة، خاصة أن العملية العسكرية التي عرفتها مدينة الحديدة أواخر 2018 هدفت لتغيير التوازنات على الأرض، لدفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، وكانت عملية تحرير الحديدة قريبة من إنجاز المهمة، بانتزاع الميناء الاستراتيجي من يد الحوثيين، مما كان سيشكل توازناً ميدانياً، يمكن من خلاله تحريك الملف السياسي.

والصعوبات التي تواجه المبعوث الدولي مارتن غريفيث، في تنفيذ اتفاق السويد، لا تعني فشل الاتفاق، الذي يتطلب مساهمة فاعلة من المجتمع الدولي لتنفيذه، خاصة أن العنوان العريض الذي سبق مشاورات ستوكهولهم، كان إطلاق إجراءات بناء الثقة بين الأطراف اليمنية، وهو ما يتطلب جهوداً فاعلة، تضغط على الأطراف، وتحديداً الحوثيين لتحويل ما تم التوافق عليه وتثبيته بموجب القرارات الدولية، إلى واقع ملموس يسمح بتخفيف المعاناة الإنسانية، بدخول المساعدات عبر ميناء الحديدة، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين، وفك الحصار عن مدينة تعز مما يسهم في تحقيق أهداف الاتفاق، الذي تم على أسس إنسانية.

هذا الواقع فرض تغييراً تكتيكياً، تقدمت به دولة الإمارات العربية المتحدة، الشريك الأساسي في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، فإعادة الانتشار في محافظتي مأرب والحديدة، يحتمل التزاماً مبدئياً بالقرارات الدولية، التي تعززها إعادة الانتشار، ومنح فرصة للسياسة، بعد جمود استمر أكثر من ستة أشهر أعقبت اتفاق السويد، كما أن قوات الجيش اليمني الموجودة في مأرب، قادرة على إدارة العمليات العسكرية، من دون حاجة إلى قوات عسكرية مساندة لها.

الاستراتيجية الإماراتية المتمثلة في المساهمة بأمن وسلامة السعودية، ثم الممرات الملاحية الدولية، مازالت باقية ولم تتغير، تضاف إليها مكافحة الإرهاب، التي لعبت فيها القوات المسلحة الإماراتية دوراً حيوياً، في إطار التحالف العربي، ولأهمية هذا الدور مازالت الاستراتيجية الأمنية تضع في أولوياتها استمرار جهود مكافحة الإرهاب في اليمن، بالتنسيق مع الولايات المتحدة والسعودية، ضمن عمليات أثبتت نجاحها خلال السنوات الأخيرة، وأضعفت قدرات تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وتنظيم داعش، وأفقدت أفراده القدرة على تشكيل مجاميع خطرة.

يعاني اليمن بسبب الجماعات الإرهابية منذ فترة طويلة، بدأت باستقطاب الأفغان العرب في حرب 1994 ولم تكن سيطرة أنصار الشريعة على محافظة أبين في 2012 ثم سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا 2015 إلا تأكيد لكثافة الإرهابيين في محافظات مأرب والجوق والبيضاء، مما استدعى عملاً موازياً مع انطلاق عاصفة الحزم.

نجحت القوات المسلحة الإماراتية في دعم وإسناد قوات النخبة الحضرمية، لتحرير ساحل حضرموت، وطرد تنظيم القاعدة الإرهابي في أبريل 2016 مما عزز استراتيجية مكافحة الإرهاب، واستنساخ التجربة في محافظة عدن المحررة، التي عانت محاولة تنظيم داعش السيطرة عليها، عقب تحريرها في يوليو 2015 من الحوثيين، وشهدت مدينة عدن سلسلة تفجيرات دامية، وصلت إلى استهداف نائب رئيس الجمهورية اليمني الأسبق خالد بحاح في حادثة تفجير فندق القصر، لذلك تم تشكيل قوة الحزام الأمني، التي نجحت بدورها في تطهير محافظات عدن ولحج، وطرد تنظيم  أنصار الشريعة من أبين، وتثبيت الأمن في المحافظات الجنوبية، بما في ذلك محافظة شبوة، وتأمين خطوط النفط والغاز.

أشادت الولايات المتحدة بتجربة دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة الإرهاب، وأشرفت وزارة الدفاع الأميركية على قيام وحدة خفر السواحل للنخبة الحضرمية بمسؤولية تأمين مسافة 300 كلم بحري، هي امتداد محافظة حضرموت على ساحل البحر العربي، بعد دورات خاصة للقوات في مجال مكافحة الإرهاب، وحضر السفير الأميركي السابق ماثيو تولر عملية استلام خفر السواحل لمهامها، مما يعزز أهمية ما قامت به الإمارات، من تأهيل وتدريب للقوات الأمنية المحلية في حضرموت.

شملت عمليات التدريب والتأهيل، أكثر من تسعين ألف جندي، يمثلون مختلف التشكيلات المنتشرة، في إطار مكافحة الإرهاب، هذه التشكيلات حصلت على مراسم جمهورية بتكوينها، بموجب مخرجات الحوار الوطني، التي قررت تشكيل الوحدات الأمنية والعسكرية من أبناء المحافظات، في إطار هيكلة الجيش اليمني، وعلى هذا تم تشكيل وإنشاء الأحزمة والنخب العسكرية، التي تولت حماية وتأمين المناطق المحررة في نطاق قانوني.

"استراتيجية السلام أولاً" تقتضي استمرار دولة الإمارات العربية المتحدة بالعمل الإنساني، عبر ذراعيها مؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية والهلال الأحمر الإماراتي، في مواصلة جهود الشراكة ضمن عملية (إعادة الأمل) التي أطلقها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز في أبريل 2015 لتكون موازية للعملية العسكرية، التي قدمت من خلالها الإمارات ما يقارب 6 مليارات دولار وُزعت على مختلف القطاعات الإغاثية، وإنشاء مشروعات البنية التحتية الصحية والتعليمية والطرق والاتصالات، وأسهمت في تخفيف آثار الانقلاب الحوثي وتبعاته على الشعب اليمني.

الالتزام بالدفع باتجاه الحل السياسي، يستلزم هذه الديناميكية على الأرض، والمشاركة الفاعلة بتوفير ما يمكن من أجواء، يمكن أن تؤدي لاختراق الجمود السياسي، بدعم مباشر لجهود المبعوث الدولي، وكذلك المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن، هذا ما يستدعي تغييراً تكنيكياً، يراعي الموقف العسكري في مختلف الجبهات، سواء النشطة أو الخاملة، فكل الالتزامات لم تتغير في جوهرها، إنما تدعم فرصة بناء مسار سياسي، يخرج اليمن من دوامة الاحتراب إلى فضاء السلام.