سمير عطا الله يكتب:

بحر الغناء وشح السرد

سمعت خبراً جميلاً، فرحته لم تطل. قيل لي إن فيروز قررت، أخيراً، أن تروي مذكراتها إلى ناقدة ومفكرة عربية كبيرة، تقيم في باريس. وأعربتُ أمام القائل عن دهشتي، وقلت له»: «هل أنت واثق أن فيروز وافقت على أن تقول كل شيء؟». وأجاب، بكل ثقة: «كل شيء».
بعد أشهر سألته: «أين أصبح المشروع؟» قال في أسى: «في خبر كان». من الأشياء التي تمنيتها في هذه الحياة، أن أقرأ مذكرات فيروز. أو أن يكتب منصور الرحباني، بنفسه، قصة تلك الظاهرة الفريدة التي جمعت، ذات يوم، بين عبقريين في الشعر والموسيقى، وأسطورة في الغناء.
كنت أقول لعاصي: الحقيقة جميلة مهما كانت محزنة. والناس تعشق نجومها وتنصهر فيهم وتتحزب لهم. والناس تحبكم، وتحب فيكم أنكم قدمتم لبناناً أجمل من لبنان. ولن يؤثر في صورتكم، كثيراً، حكاية عن خلاف بين عاصي وفيروز. أو قصة طلاق، في الوسط الفني في العالم زيجات وطلاقات. حتى أم كلثوم وفاتن حمامة ومحمد عبد الوهاب.
وكان منصور يرد، كالعادة، بتغيير الموضوع. وبقيت حكاية العائلة الأسطورية موزعة على مقابلات صحافية مكررة، أو منقولة، أو منسوبة. وأغلقت فيروز على نفسها أسوار الكون. واختفت خلف صمتها، وتركت صوتها يرافق دورة الكرة العربية كل يوم، من نواكشوط إلى أنطلياس.
هل هذا من حقها؟ لا. ليس من حقها ألا تترك للتاريخ، الفني والأدبي والسياسي، روايتها عن نفسها. رؤيتها لمرحلتها. علاقتها المهنية برجال مثل محمد عبد الوهاب وشعراء مثل سعيد عقل. والناس تحب أن تسمع منها، شكواها من عاصي كشريك حياة وشريك عمل. وأن تعرف منها كيف رافقت، كأم، وكفيروز، مرحلة زياد منذ بدايته. فإذا لم تشهد هي لزياد، فمن؟
هناك تاريخ جميل ومحزن ومبدع وفرح ويائس، من حياة لبنان، كانت فيروز أهم شاهدة عليه. وفيروز ترفض أن تصدق ذلك. وترفض أن تقتنع أنها لم تعد تلك الفتاة الفقيرة في زقاق البلاط، التي تغني في فرقة الإذاعة. من يقنعها، مولاتي هذه، أن شمس الشرق تصحو على صوتها، كل يوم، منذ خرجت من تلك الفرقة لتغني وحدها؟ من يذكّرها بأنها رفضت أن تغني لشاه إيران عندما كان ضيفاً على لبنان، قائلة: «أنا لا أغني لأفراد. أنا أغني لشعوب ودول».