إميل أمين يكتب:

«الوحدة 400»… إرهاب إيران المعولم

تعتمد جميع الحروب على الخدعة، حين تكون قادراً على الهجوم، فلا بد أن تتظاهر بعدم القدرة على ذلك، وحين تهم بالتعبئة فلا بد أن تبدو غير مكترث، وحين تودّ الاقتراب لا بد أن تُشعر الآخرين بأنك بعيد، والعكس صحيح.

هكذا تحدث خبير فن الحرب الصيني الأشهر، صن تزو، في مؤلفه الاستراتيجي الخالد «فن الحرب»، دستور الجيوش الحديثة حول العالم، باستثناء إيران التي تكشف أوراقها قبل أن تقدم على معاركها، ما يعني أن الإخفاق سيوفيها، والنصر سيخلفها، كما حدث في ثمانينات القرن المنصرم.

لم تعد حروب الملالي الإرهابية على العالم سراً يوارونه أو يدارونه، بل يجاهرون به ويفاخرون، ولا يعلمون أي منقلب ينقلبون.

يمضي الملالي بـ«حرسهم الثوري» في سبيل إشعال العالم، عبر خطط ظاهرة لا خفاء فيها يعلنونها على الملأ، مثل التصريح الأخير لنائب القائد العام لـ«الحرس الثوري» للشؤون الثقافية والاجتماعية حسين نجات، الذي أشار قبل بضعة أيام إلى أن «القواعد الأميركية في المنطقة تقع في مرمى الصواريخ الإيرانية… صواريخنا ستستهدف القواعد الأميركية في الدول العربية المجاورة في حال انطلاق أي اعتداء منها على بلادنا».

إرهاب إيران المعولم لا يتوقف عند حدود منطقة الخليج، إنه يسارع الزمن قبل المواجهة التي يشعر قادة إيران أنها قادمة لا محالة، والسبب في ذلك توجهاتهم العقدية التي تدير المشهد السياسي والعسكري، وبعيداً كل البعد عن معطيات السياسة النسبية، تلك التي تقابل التفاوض الحقيقي، والحلول الوسط، ما يباعد شبح الحروب العسكرية والمواجهات الدموية.

قبل بضعة أيام، كان جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي ينذر ويحذر إيران من أن العقوبات الجذرية القوية لم تبدأ بعد، وأن مرحلة أسوأ سوف تأتي لا محالة طالما مضت طهران سادرة في غيّها.

لا دالة لإيران على الدبلوماسية الحقيقية، إنها تعرف أفضل طرق المراوغة والتسويف، وفيما هي سائرة على دروبهما، يستعد «حرسها الإرهابي» لمزيد من إقلاق العالم وقضّ مضاجعه، من اليمن جنوباً، إلى أوروبا شمالاً، ومن القارة اللاتينية غرباً، إلى اختراق الولايات المتحدة شمالاً، فيما الجديد موصول بالقارة الأفريقية، الميدان الأحدث للإرهاب الإيراني.

في يونيو (حزيران) من عام 2018 تم اكتشاف واحدة من خلايا إيران النائمة في أوروبا، امتلكت في لحظة بعينها نصف طن من المتفجرات، وعلى الرغم من افتضاح أمرها ومعرفة الإرهابيين المشاركين في ثناياها والمخططين لحناياها، وجلّهم من عناصر «الحرس الثوري» الإرهابي المتخفين في ثياب الدبلوماسية الإيرانية، فإن هذا لم يمنع فرق اغتيالاتهم من الوصول إلى شخصيات معارضة إيرانية في تركيا وهولندا وقتها، فيما أحبطت خطط اغتيالات مماثلة على أراضي الدنمارك والسويد.

آخر مخططات إيران لإشاعة الفوضى والإرهاب حول العالم موصولة بما يسمى «الوحدة 400»، المنتمية إلى «الحرس» عينه، وهي ضمن تقسيمات «فيلق القدس»، ويقوم على قيادتها حامد عبد اللاهي، العنصر الذي صنفته الولايات المتحدة العام 2012، داعماً للنشاط الإرهابي.

ما هي المصالح الغربية عامة، والأميركية خاصة، التي تستهدفها «الوحدة 400» حول العالم؟

من الواضح أنها اختارت بطناً رخواً من الناحية الأمنية، فميدانها هو القارة الأفريقية؛ حيث تعرضت أهداف أميركية كثيرة في نهاية التسعينات إلى تفجيرات كارثية في تنزانيا وكينيا، عندما لقي نحو 200 أميركي حتفهم… هل تسعى إيران إلى تكرار ما جرى من قبل على الأراضي الأفريقية؟

بحسب عدد من الخبراء الاستخباريين، فإن «الوحدة 400» الإيرانية قد أعدت خلايا نائمة يمكن تفعيلها لمهاجمة الأهداف الغربية، إذا وصل التوتر بين إيران والغرب إلى تصعيد مسلح يقود إلى مواجهة عسكرية شاملة.

أحد التقارير التي تميط اللثام عن هذه الوحدة، تم نشره عبر موقع معهد «غيتسون»، الذي أشار إلى أن الخلايا الإرهابية التي عملت إيران على تأسيسها في الأعوام الثلاثة الماضية، منذ توقيع الاتفاق النووي، تنشط في عدد من البلدان الأفريقية، مثل تشاد وغانا والنيجر وغامبيا وأفريقيا الوسطى…. هل تثبت هذه العقلية الإيرانية أن الرئيس ترمب كان على حق في قيامه بالانسحاب من الاتفاقية النووية سيئة السمعة مع إيران؟

قطعاً كان الرجل ولا يزال على حق، فقد استغلت إيران الفوائض المالية التي تحصلت عليها من بيعها للنفط، عطفاً على 150 مليار دولار مجمدة أفرج عنها، لتأسيس بنية إرهابية معولمة، تكون اليد الطولى لها حال الفراق والشقاق مع الغرب، ما يعني أنه لم تكن هناك أبداً نوايا إيرانية صادقة تجاه التخلي عن الأحلام التوسعية، وامتلاك الأسلحة النووية والصاروخية، بل هدنة مؤقتة وهدوء يسبق العاصفة.

تفاصيل «الوحدة 400» الإرهابية تكشفت في أبريل (نيسان) الماضي، ووجد على رأسها علي بارهون، القيادي في «الحرس الثوري»، وذلك بعد أن حدثت سلسلة اعتقالات في تشاد، تبين للمحققين من خلالها أن إيران كانت وراء تجنيد وتدريب عناصر تتراوح أعمارهم بين 25 و35 عاماً، لتنفيذ هجمات إرهابية ضد أهداف غربية في القارة الأفريقية.

وجدت طهران في أحوال العراق وسوريا ميداناً واسعاً لإنشاء معسكرات تدريب لعناصرها الإرهابية، وإرسالهم إلى بقاع وأصقاع العالم، وعبر حفنة دولارات كان من اليسير شراء كثيرين من المرتزقة.

ماذا عن إرهاب إيران المعولم في أميركا اللاتينية والشمالية، وعلاقة ذلك بـ«حزب الله» بنوع خاص؟ إلى قراءة لاحقة مكملة ومتممة…

الشرق الأوسط