من الجيد أن تتحرك بريطانيا تجاه التهديدات الإيرانية في الخليج العربي، فهي تنحاز مجدداً إلى أميركا، وهو ما يعني ما تسعى له أميركا من خلق تحالف دولي لمواجهة المشاغبات الإيرانية في تهديد نقل النفط وتهديد طرق الإمدادات التجارية العالمية.
بريطانيا التي تنتظر حكومة جديدة عما قريب يرجح أن يقودها بوريس جونسون وهو يتقارب في موقفه تجاه إيران من موقف الإدارة الأميركية، وقد بدأت بريطانيا باتخاذ إجراءات عملية تجاه إيران من حجزها لناقلة نفط إيرانية متجهة لسوريا في مخالفة للعقوبات على النظام السوري إلى محاولة إيران السيطرة على إحدى السفن البريطانية في الخليج؛ ما دفع بها إلى إرسال سفينة عسكرية ثانية لتأمين مصالح بريطانيا في الخليج العربي وخليج عمان.
هذا التوجه البريطاني فيه تعزيز دولي لموقف أميركا والعقوبات القاسية التي تفرضها على نظام طهران، وبريطانيا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية تعتبر أقرب الحلفاء للولايات المتحدة، وهذا يؤذن بتوسيع هذا التوجه دولياً لإيقاف النظام الإيراني عند حده لا فيما يتعلق بالملف النووي الذي أعلنت إيران رفع التخصيب فيه خلافاً للاتفاق النووي فحسب، بل وفي تدخلات إيران التوسعية في الشؤون الداخلية لأربع دول عربية، العراق وسوريا ولبنان واليمن.
صبر دول الخليج على الحماقات الإيرانية في السعودية وخليج عمان والطائرات المسيرة التي ترسلها ميليشيا الحوثي للسعودية أو تلك التي تأتي من العراق، هو صبر استراتيجي محسوب العواقب، فمع أقسى العقوبات التي تخضع لها إيران، فإن النظام الإيراني يضعف بشكل كبير وملحوظ وقدراته على دعم الميليشيات التابعة له في المنطقة بدأت تتضح آثارها، ومحاولاته إنعاش تنظيم «القاعدة» لم تزل تبوء بالفشل الذريع، وبالتالي فالنظام الإيراني سيكون على شفير الانهيار في مدة ليست بالطويلة.
كأي نظام فاقدٍ للشرعية فإن طريق الخروج من الأزمات الداخلية هو بتصديرها للخارج، وخلق أعداء خارجيين تعلّق عليهم كل مشاكل النظام وهي أجدى المخارج للنظام الإيراني تحديداً، فهو نظام قام في الأساس على مبدأ «تصدير الثورة»، ومارسها على مستويين؛ الأول طريقة الخميني حيث الدخول في الحرب المباشرة مع العراق… وفشل فيها، وتجرع السم وذل الهزيمة، والثاني، طريقة خامنئي في خلق ميليشيات وجماعات وتنظيمات إرهابية سنية كانت أم شيعية لخلق حالة يسميها كاتب هذه السطور «استقرار الفوضى»، وقد نجحت في أربع دول عربية مذكورة أعلاه.
الخطاب الداخلي للنظام الإيراني الموجه للشعب يسعى لإقناعهم أن النظام يخضع لمؤامرة دولية، بسبب عقيدته وآيديولوجيته الطائفية لا بسبب استراتيجياته المعلنة بنشر الإرهاب، وقتل الناس رغبة في التوسع وبسط النفوذ، ومن لم يقتنع بذلك فهو يواجه أعتى نظام ديكتاتوري عرفه التاريخ، نظام يقتل الشعب باسم الله وباسم الطائفة، وهو محمي بعشرات الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تجبن عن خوض الحروب المباشرة، ولكنها شجاعة في قمع الشعب ومتفننة في إفقاره فقراً مدقعاً وتعذيبه تعذيباً منهجياً.
هذا التوجه البريطاني الجديد، وبريطانيا نفذت تحقيقاً مستقلاً في استهداف السفن في خليج عمان، وخلصت للنتيجة الأميركية الخليجية نفسها، وهي أن النظام الإيراني بنفسه لا بالميليشيات التابعة له هو من استهدف تلك السفن، وهي خطوة مهمة وضرورية لإقناع دول أخرى لاتخاذ الموقف نفسه تجاه نظام لا يعبأ بالمصالح الدولية، ويسعى للإضرار بها قدر ما يستطيع.
بعض الدول الأعضاء في الاتفاق النووي لم تصل بعد لمثل هذا الموقف البريطاني الواعي، فضلاً عن الموقف الأميركي الصارم، وتحديداً في ألمانيا وفرنسا، مع سعي الأخيرة الحثيث لخلق مجالٍ تفاوضي بين أميركا وإيران، وهو سعي باء وسيبوء بالفشل لعدم استعداد إيران لتغيير سياساتها واستراتيجياتها الداعمة للإرهاب واستقرار الفوضى.
النظام الإيراني خارج التاريخ وخارج القانون، خارج التاريخ لأنه لا ينتمي للعالم الحديث بل ينتمي للماضي السحيق ومواضعته ومعطياته وعنصريته وطائفيته وحروبه الطاحنة على الهويات الضيقة، وخارج القانون الدولي المعاصر الذي يعترف بسيادة الدول ويرفض التدخل في شؤونها الداخلية، والذي تمثله المؤسسات الدولية الكبرى كالأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو غير قابل للإصلاح بالدبلوماسية ويحتاج لصدمات قاسية تعيده من أوهام النفوذ والتوسع، ومن خرافات الآيديولوجيا إلى العصر الحديث والقوانين الدولية.
المشاغبات الإيرانية تقتصر هذه الأيام على نشاطات الحرس الثوري في مياه الخليج العربي، وبعض الطائرات المسيرة التي تأتي من اليمن أو العراق، وهذه مشاغبات يجب توثيقها دولياً حتى تأتي ساعة الرد، ولكنها غير مضرة بشكل يدعو لإشعال حربٍ كما يطمح النظام الإيراني، ولكن بالمقابل فإنها لم تحرك ساكناً تجاه إسرائيل ولم يرمِ جندي واحد من «حزب الله» اللبناني الميليشيا الأقوى التابعة لإيران حجراً واحداً باتجاه إسرائيل، فعلى الرغم من أن إسرائيل وأميركا هما الدولتان الحاضرتان بقوة في كل شعارات النظام الإيراني، فإن الهجمات تتركز على السعودية ودول الخليج واليمن وسوريا والعراق.
«الرأي قبل شجاعة الشجعان» كما كان يقول المتنبي، والرأي هو إجبار النظام الإيراني على الخضوع للعقوبات الدولية القاسية لأطول فترة ممكنة حتى يستجيب لتجرع السم مرة ثانية، بعدما كان قادته يتفاخرون ببناء إمبراطورية فارسية جديدة، ويتمجدون بالسيطرة على أربع عواصم عربية عبر استراتيجية خامنئي في التغلغل في الدول المجاورة وشراء الذمم والسيطرة على النخب السياسية وصناعة القرار بالترغيب والترهيب والاغتيالات، وبناء ميليشيات تابعة له يتم تدريبها وتسليحها بالكامل من إيران.
ستثبت هذه العقوبات أن الاتفاق النووي كان أسوأ اتفاق في التاريخ، كما هي عبارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الشهيرة، وأن قادة إيران سيقدمون تنازلات مهمة حين تجبرهم العقوبات على ذلك، وكما قال الرئيس ترمب أيضاً، فإنه ليس مستعجلاً للتعامل مع النظام الإيراني، والعقوبات تأثيرها تراكمي؛ فكلما أخذت وقتاً كان مفعولها أقوى وأقسى، ودول المنطقة تعيش نهضة تنموية باهرة، فيما يعيد النظام الإيراني شعبه إلى عصور ما قبل التاريخ.
أخيراً، فالشعوب العربية في العراق ولبنان وسوريا واليمن بدأوا يتذمرون من أتباع إيران في قيادة بلدانهم، حيث الفشل الذريع في بسط الأمن أو خلق التنمية، أو العنجهية التي يتعاملون بها مع شعوبهم.
الشرق الأوسط