سمير عطا الله يكتب:

زوجة وشريكة

عندما نتأمل تاريخنا الحديث، أو المعيش الذي لا نزال نحن فيه، تُبان لنا أشياء لم ننتبه إليها من قبل، بسبب قوة اندفاع الأحداث الجارفة. تُسمّى زوجة الرئيس في الأنظمة الجمهورية حول العالم «السيدة الأولى». وهو لقب تشريفي ليست له أي صفة تنفيذية في معظم الأحيان. حتى عندما تبرز سيدة مثل جاكلين كيندي، وما أحيط بها من هالة سياسية، يسجّل التاريخ أنها لم تقم بأي دور حقيقي، يتخطى دور مساعدة الزوج في اجتماعياته أو في رسم صورة شعبية له. خصوصاً في العالم العربي المحافظ، بقيت «السيدة الأولى» صورة الدور المعنوي وحده، إلا في بعض الاستثناءات المثيرة للجدل وللتعجب معاً. إحداها كانت الوسيلة بن عمار، زوجة الحبيب بورقيبة، التي كان يقال إنها تؤثّر في قراراته الداخلية، وإنها تعيّن رؤساء الوزراء وتصرفهم، وتشير على زوجها الرئيس، أو تشاركه، في القضايا الكبرى، مثل رحلته الشهيرة إلى الشرق الأوسط العام 1965، عندما حاول إقناع الزعماء العرب بقبول قرار التقسيم 1947.

الآن أتنبّه إلى أن ثمّة «سيدة أولى» لعبت أكثر من دور الشريك في أحد أهم أحداث العالم العربي.

في كتابها «أملي في السلام» (دار الشروق)، تروي جيهان السادات قصة كامب ديفيد ورحلة أنور السادات إلى القدس والمراحل التي سبقت قراره في تلك الزيارة التي لم يصدقها أحد – ترويها بصيغة ضمير المتكلم ولكن بالمثنّى. تريد أن تقول بكل شجاعة إنها شجّعت زوجها على خوض تلك الحرب الشهيرة مع عالمه العربي، بعدما خاض حرب العبور العسكرية مع إسرائيل.

صدر كتاب «أملي في السلام» العام 2009. أي بعد عدة سنوات على رحلة السادات ثم إبعاد مصر عن العالم العربي، ومن بعدها اغتياله، ودخول العرب في متاهة التقييم والجدل حول مضاعفات قرار لا سابق له في تاريخ الأمّة. وقد كانت هناك سوابق مشابهة في أوروبا، مثلاً، المصالحة بين الألمان والفرنسيين، أما في العالم العربي فقد بدا أن الشعوب بأكثرها ترفض ما عُرف، أو سُمّي بالتطبيع. لكن جيهان السادات، بعد كل سنوات التأمل، توضح أنها مصرّة على شجاعة القرار، وأن السلم خيار لا بديل عنه من أجل الجميع.

بالمقارنة مع زوجة عبد الناصر التي لم تكن تظهر إلا نادراً في الأحداث العامّة، ومع زوجة حسني مبارك التي تعاطت الشأن الاجتماعي دون سياسة، تبلغنا جيهان السادات أنها خاضت إلى جانب زوجها، ليس فقط معارك الحرب والسلام، بل معركة المرأة المصرية والقضايا الاجتماعية أيضاً.

إلى اللقاء…

الشرق الأوسط