سمير عطا الله يكتب:
زوجة وشريكة: ماذا تقول «السيدة الأولى» الآن؟
بعد اغتيال الرئيس أنور السادات، لم تنكفئ أرملته في المنزل الزوجي، ولم تبقَ في مصر، خشية أن يوثر وجودها على الإطار الذي تبرز منه «السيدة الأولى» التي ورثت اللقب، وفي الوقت نفسه أرادت أن تستمر في الدفاع عن القرار الخطير الذي اتّخذه زوجها وأدخل مصر في انعكاساته. وهكذا اختارت خطوة لم يسبقها إليها أحد: أن تذهب إلى الولايات المتحدة كأستاذة جامعية، بحيث تبتعد مبدئياً عن القاهرة، وتبقى في الوقت نفسه على صلة بالدوائر الأميركية التي شجَّعت السادات وشاركته في الوصول إلى اتفاق كامب ديفيد. لم تكن غائبة عما يُكتب ويُقال ويثار حتى الآن. لكن أحداث ما بعد كامب ديفيد، بما فيها بروز القوة الإيرانية في الشرق الأوسط، وعودة التدخل التركي، واتفاق أوسلو، وتأسيس منظمة «حماس»، إلى آخر المستجدات والتغييرات، لم تؤثّر في قناعاتها وإنما تعتبرها جميعاً دليلاً على أن السلام هو الخيار الأفضل. وإذ تتحدّث بصفتها «امرأة مسلمة»، تصرّ على أن السِّلم خيار ديني.
قلنا إن «أملي في السلام» قد صدر عام 2009. أي قبل عشر سنوات من اليوم، وفي مراجعة شاملة لكل وجوهه، يبقى بالدرجة الأولى أنه وثيقة تاريخية مهمة للباحثين. وهو بالدرجة الثانية حدث اجتماعي بمعنى دور المرأة كزوجة للحاكم العربي. وهو ثالثاً، شهادة على رغبة الإنسان العربي وليس فقط الحاكم، في الوصول إلى عالم تنموي مزدهر، لا تعيقه الحروب ومآسيها وأجيالها. لكنني تساءلت وأنا أقرأ هذه الرسالة القيّمة إلى المجتمع العالمي، ماذا لو أن السيدة جيهان السادات وضعت هذا الكتاب اليوم؟ سوف أغامر في التخيّل، مستنداً إلى كونها سيدة عميقة التجربة، قوية الإرادة ومعنية كسيدة مصرية وزوجة للرئيس، بصورة شخصية ووطنية معاً.
أتساءل ما هي الخطوات والقرارات والممارسات التي اتخذتها إسرائيل منذ كامب ديفيد واتفاق أوسلو حيال السلام مع العرب. ولا أقصد هنا موقف الحكم الإسرائيلي، فهو متغيّر على الدوام، وإنما أعني المجتمع الإسرائيلي العميق بجميع مؤسساته، العلمية والعسكرية والمدنية وغيرها. في مقابل المتغيّر العربي الهائل، قدّم المجتمع الإسرائيلي تحوّلاً معاكساً لا يُصدّق. فقد اغتال أولاً إسحق رابين، ومن ثم اختار الاقتراع ثم التجديد، ثم التجديد، لمناور سياسي يطرح الشعارات الشعبوية التي لا قيمة حقيقية لها، هو بنيامين نتنياهو.
دفع العرب ثمناً باهظاً في اتجاه السلام، سواء عن قناعة حقيقية، مثل بورقيبة وأنور السادات ومجموعة الدنمارك وياسر عرفات وغيرهم، أو الذين دخلوا منطق التسوية دون قناعة كبرى، كما حصل في «مؤتمر مدريد». وفي المقابل لا شيء حتى الآن وخصوصاً لا جيهان السادات في إسرائيل، وإنما «سيدة أولى» لا تأتي حتى على ذكر تلك الكلمة.