محمد ناصر العولقي يكتب:
العشق بين زمنين
في السبعينيات - أيام الحماس الثوري الفياض - شن الدكتور حسن مجلي نقدا لاذعا على المبدعين الكبيرين السيد حسين المحضار والأمير أحمد فضل القمندان لأن في أغانيهما نزعة استعلاء على الطبقات المسحوقة وأرستقراطية ، واستشهد بشاهدين من شعرهما .
الشاهد الأول في قول المحضار في أغنيته ( عادت علينا ليالي جميلة ) :
بعض الميادين فيها رويلة
وخيول زينة وكلّين يعرض بخيله
ما هي لحجري ولا بن هبيلة
ما تصلح الا لفارس من الفرسان
والشاهد الثاني للقمندان في أغنيته ( هيثم عوض قال) :
هيثم عوض قال ريت الأرض في ودرة
با سلّي القلب ما با بيت شي مغبون
فرأى الدكتور مجلي في قول المحضار نظرة طبقية تحط من قدر الفئتين الكادحتين ( الحجري والعبد ) ، كما رأى في قول القمندان استهتارا بقيمة الأرض والوطن في مقابل إشباع الغريزة الارستقراطية .
كان بن مجلي يتحدث بلغة الواقع الثوري حينها ، وهو محق بالنسبة لما قاله المحضار بل كانت القصيدة كلها فيها انحياز الى العنصرية والحب العنصري ففي المقطع الأول قال المحضار :
شـرب الـعـسل ما يقع بالفضيلة
لـي مـا معه نقد ما بيحصل مهيله
فـيـه الـشـفـاء للنفوس العليلة
يـا بخت من نال منه ملأ فنجان
وكان في القصيدة يتغزل بفتاة بدوية من قبائل المشقاص أما بشأن القمندان فقد اعتسف مجلي النص وحمّله فوق ما يحتمل ، والطريف أن نقد الدكتور مجلي لقي آذانا صاغية وتم منع إذاعة الأغنيتين في إذاعة وتلفزيون عدن لفترة طويلة .
هذا النقد أيضا لم يمر مرور الكرام عند المحضار الذي - كما يبدو - احترز لنفسه من مثل هكذا نقود ، وأراد أن يجاري المرحلة فكتب أوبريتين كلهما عن قانون الأسرة ومحاربة التعصب القبلي والعنصري في الحب، وكان الأوبريت الأول باسم ( بنت القبايل ) وموضوعه قصة حب بين قروي ( من الطبقات الاجتماعية الدنيا) وإحدى بنات القبائل البدوية، ويعرض فيه موقف الأب الذي كان متمسكا بالأعراف القبلية :
أيش جاك يا الفسل تمسك يد بنتي
حسبتها نافشة ماحد وراها
رجال من بعدها تسرح وتضوي
وخطيبها قيم يتّبع خطاها
بنت القبايل عزيزة ما تدنّي
لإنسان قروي ينزّل مستواها
كما يعرض المحضار موقفه الجديد على لسان بطل الأوبريت :
هذي خطط بالية ما عاد تمشي
هذي خطط هدت الثوره بناها
ما عدت ذاك الذي يشرد ويقفي
أذود عن ثورتي واحمي حماها
وفي النهاية يستسلم الأب للفكر الجديد ولرغبة إبنته في الزواج من القروي .
وعلى نفس المنوال ولكن من زاوية أخرى يؤلف المحضار أوبريته الثاني ( الضحية ) الذي يعرض فيه قصة حب بين إحدى بنات قبائل المشقاص البدوية وشاب من قبيلة أخرى وأحقية ابن عمها في الزواج منها كزوجة ثانية مخالفة لقانون الأسرة آنذاك ، وموقف الأب الذي يميل الى ابن أخيه متمسكا بالأعراف والعادات والتقاليد القبلية :
سارحة عمـر جازتنا تلفّظ بذلك
سارحة عمر قالت قدّم أوّل عيالك
شف خصال الجنيبي لا تشابه خصالك
لا يعزّك ولا يسرح مـعك في قتالك
ويأتي الرد على لسان العاشق الشاب :
انته يا شيخ عادك لم تزل في ضلالك
انته تفتي كأنك بوحنيفة ومــــــــــالك
هكذا اغدرت بي وادخلت بي ليل حالك
شل بنتك ولي مـــعكم خبر غير ذلك
وفي النهاية ترفض البنت الزواج من ابن عمها مفضلة أن تهيم في الجبال وتتمرد على العادات والتقاليد قائلة لابن عمها :
انته مخبـول يا مسكين تتبع خيالك
لا يمينك علي تقـــــــدر وتغفل شمالك
باســــــرح في جبال الله ما هي جبالك
ولم يقتصر موقف المحضار الجديد في هذين الأوبريتين بل راح أيضا يورد هذا الموقف في أغاني أخرى ويضمنها رفضه للعنصرية والعصبية في الحب ومن هذه الأغاني أغنية ( يا مول شامة ) التي يقول في إحدى مقاطعها :
تكلّم واظهر المستور بالعربي
لسانك ليه بالكلمة ثقيلة ؟
تكلّم لا تقع في عشقتك ( عصبي)
ودع عنك شياطين ( القبيلة )
بغوا قلبك من القسوة يصدّي
بغوا الأحقاد بين الناس تمدي
عاما فعامه
يا مول شامة
فكلمة ( عصبي) هنا تعني التعصب والعنصرية القبلية .
لقد استفاد المحضار من نقد المجلي أو بالأصح ساير مضمونه ومتغيرات الواقع السياسي والاجتماعي في الجنوب بعد الاستقلال غير أن القمندان لم يتمكن من ذلك لأنه مات من زمان ولم يكن يتوقع أن يأتي عهد يؤاخذه على حبه للحياة وطبيعته الغارقة في العيش في الحب والفن وللحب والفن .