سمير عطا الله يكتب:
القمر في الخمسين
العام 1901 أصدر الكاتب البريطاني جورج ولز كتابه «أول رجلين يهبطان على القمر». كان ولز ابن بريطاني بسيط، يعمل في الحدائق، وأمه تخدم في المنازل. لكنه ولد بمخيلة جعلته يُعرف بأبي الخيال العلمي. العام 1969 نزل الأميركيون فعلاً على القمر فوجده الرائدان أرمسترونغ والدرن كثير الشبه بالقمر الذي وصفه رائدا ولز، العالم كافور والمغامر بدفورد.
كان على المغامر النشيط بدفورد أن يؤلف مسرحية ناجحة كي يجمع تكاليف الرحلة إلى القمر، أما تكاليف العربة أبوللو 11 فكانت أبعد من خياله بكثير. الآن، بعد 50 عاماً، ماذا أفادت الإنسانية من السباق المحموم إلى الفضاء والكواكب؟
قد يكون الجواب أن الإفادة المباشرة لا شيء. مجرد عرض مثير على سطح القمر. وحدث علمي لا يزال كثيرون يشككون فيه: خدعة سينمائية صورت على الأرض من أجل تهزئة الاتحاد السوفياتي وجعله يتكبد المزيد من الهدر في سباق التسلح. لكن الجواب الآخر أن الفوائد العلمية لا حصر لها. كلها حدثت في الطريق إلى القمر، ومن ثم، إلى الكواكب الأخرى. والسباق في الفضاء جعل الأرض مشغلاً تكنولوجياً لا تتخيله مخيلة. مسكين البريطاني ولز، والفرنسي جول فرن، والأندلسي عباس بن فرناس. ولكنهم أصحاب الفكرة. هم الذين وضعوا الخريطة. بل إن ولز وضع «آلة تعبر الزمان». وظل يتخيل ويثري إلى أن نسي تماماً منزل الفقر والعوز في «بروملي»، وانتقل إلى حياة الأثرياء في «ريجنت بارك».
العلم دنيا مفتوحة. ونحن أبعد الشعوب عنه. وقد نوقشت في أصيلة أخيراً – مرة جديدة – مسألة تعريب المصطلحات العلمية. هذه ليست قضية قومية. علينا أن نناقش أولا مدى حضورنا في العلوم. لقد مضى زمن على عبقريات ابن سينا. وأصبحنا نسبياً، خارج كل شيء حتى النقل. وماذا يفيد تعريب الألفاظ في زمن يحتفي العالم بمرور نصف قرن على رحلة القمر؟ لقد كان دورنا في ذلك التشكيك في الذي حدث. كذلك، سارعنا، أحياناً، إلى الاحتفال «باكتشافات» عجائبية تبين أنها ليست أكثر من خرافات مضحكة ومهازل معيبة.
الخلاف ليس على تقريب اللفظ، بل على تعريب العلوم. هذا هو الصراع والسباق اليوم. وتلك هي الثروات الكبرى. صراع الحضارات ليس في المبارزات، ولا في المسابقات الخطابية. ولا يهم إطلاقاً بأي لغة تسمى الأدوية المنقذة للبشر.