عندما نشرت إيران فيديو هبوط خمسة جنود ملثمين من «الحرس الثوري» من طائرة هليكوبتر على سطح ناقلة النفط البريطانية إمبيرو، ومصادرة الناقلة وإجبارها على الذهاب إلى ميناء بندر عباس ورفع العلم الإيراني عليها، فإنها فعلت ذلك وبتفاخر لإثبات نفوذها على مضيق هرمز وقدرتها على التحكم في مرور بين 30 إلى 40 في المائة من النفط المنقول بحراً على مستوى العالم، وكذلك انتقاماً من قيام بريطانيا باحتجاز ناقلة نفط إيرانية في جبل طارق، إلا أن النظام الإيراني ودون أن يعلم وقع في المصيدة التي نصبت له، فالتصرف الخطير باحتجاز ناقلة النفط البريطانية، كما يفعل القراصنة في القرن الأفريقي، حوّل البوصلة الأوروبية من الحياد في المعركة الواقعة حالياً بين الولايات المتحدة وبين إيران إلى الاصطفاف أكثر مع الموقف الأميركي، فأعلنت بريطانيا على الفور تشكيل قوة حماية بحرية تقودها أوروبا لحماية الشحن البحري في مضيق هرمز، كما تعمل لندن على حث الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لإعادة فرض العقوبات على طهران التي تم إيقاف تنفيذها في عام 2016. بالإضافة إلى تجميد الأصول الإيرانية في المملكة المتحدة، وبهذا فإن الموقف الدولي ضد إيران يعاد تشكيله ولم يعد يسجل وكأنه خلاف أميركي إيراني وأوروبا خارج اللعبة، وإنما دخلت الدول الأوروبية بالتدريج لتكون عنصراً مشاركاً في المعركة بعد أن كانت تراقب من بعيد.
بعد وقوع إيران في الفخ أصبحت أوروبا والولايات المتحدة تقريباً على نفس الضفة، الفرق الوحيد يكمن في تعاطيهما مع الأزمة، فبينما واشنطن متشددة وتجهز العصا، لا تزال العواصم الأوروبية تلوح بالجزرة، مؤكدة أنها ضد التصعيد أو أي تصرف يتسبب في نشوب حرب بالمنطقة، والحقيقة أن الجميع ضد هذه الحرب التي سيخسر معها الجميع، مع الفارق أن إيران ستكون خسارتها كارثية وبلا شك، إلا أن انضمام الدول الأوروبية عبر تحالفها البحري للعمل ضد الاستفزازات الإيرانية، سيجعلها في مواجهة مباشرة مع سلوكيات طهران العدوانية، ولم يعد في مقدورها إطلاق البيانات عن بعد بضرورة ضبط النفس، فمن يده في النار ليس كمن يده في الماء، وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، تواجهان إيران بشكل مباشر وتقفان ضد عربدتها، فإن الدائرة اتسعت مؤخراً بانضمام العواصم الأوروبية التي بدورها لن تتفرج وهي ترى مزيداً من استفزازات طهران من خلال حرب الناقلات وتعطيل إمدادات النفط عبر شريان حيوي كمضيق هرمز.
بعد أن كانت إيران تواجه العالم بخطاب متناقض بأن ما يحدث من توترات في مياه الخليج هو بفعل مواجهتها المباشرة مع واشنطن والرياض، اتسعت رقعة الدول التي تواجهها إثر انضمام قوى عالمية رئيسية لمواجهتها، إذ سقطت ورقة قوية كانت تناور بها، وفي قادم الأيام المتوقع أن الدائرة ستتسع لتضع إيران في زاوية كانت تقاتل للخروج منها، فهي اليوم أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما الاستسلام للعقوبات المشددة والتي ستؤدي بها إلى مفاوضات تقبل خلالها شروطاً قاسية تعيدها للمجتمع الدولي وتمنع مشروعها النووي، وإما تواصل استفزازاتها وهذه المرة ستكون المواجهة أمام المجتمع الدولي، وبالتالي مع انتقال الأزمة إلى الخيار «ب»، وهو العمل العسكري الذي سيكون الحل الأخير، فلن تكون المواجهة أميركية سعودية – إيرانية، وإنما ستكون دولية – إيرانية، وهو ما يضعف الموقف الإيراني عسكرياً ودبلوماسياً وجعله في خانة المجهول.
في عام 1987 أُطلقت عملية «إرنست ويل» لحماية الناقلات النفطية في مياه الخليج، رداً على تصعيد إيران عندما قام «الحرس الثوري» بمواجهة القوات البحرية للقوى الغربية الموجودة في مياه الخليج العربي خلال الحرب العراقية الإيرانية، إلا أن ذلك القرار أدى إلى نتائج عكسية وخيمة على النظام الإيراني، حيث أعطى الحكومات الغربية الذريعة اللازمة للتحالف ضدها، وبالمقابل فإن هجمات السفن الإيرانية لم تترك آثاراً تُذكر على الناقلات أو الإمدادات النفطية أو أسعار النفط، ولكنها صعّدت المواجهة مع القوات العسكرية الغربية، إلى أن بلغت أوجها بهزيمة إيرانية بحرية كبيرة على أيدي البحرية الأميركية عام 1988، وبالتأكيد فإن النتيجة النهائية هذه المرة لن تختلف كثيراً.
الشرق الأوسط