مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):
بماذا يحلم الناس في عدن وصنعاء ؟
بالتأكيد لقد سمع الكثيرين منا عن "الحلم الأمريكي" والدور الذي لعبه في النهوض التاريخي السريع للولايات المتحدة ، وكذلك عن الحلم الجماعي بالوطن الأوروبي المشترك، الذي يسيطر على عقول كل سكان أوروبا بما فيها الشرقية ، ولكن ماذا عن أحلامنا ؟هل لدينا أحلام كبيرة مثلهم ؟ وإذا كان الأمر كذلك ، فما هي ؟
لا يشكل وجود الحلم شرطاً كافياً للتقدم، لكن إذا ظلت الأحلام ثابتة في مكانها وتحولت إلى صور من أحلام اليقظة الدائمة فهي حتماً ستتحول إلى معاناة وصعوبات ذهنية - عاجلاً أم آجلاً - تقود الفرد إلى الهلوسة والعقد والأمراض النفسية، وللأسف بين سكان الجمهورية اليمنية يوجد الكثير ممن يعيشون في غرف أحلام اليقظة، لماذا؟ لأن هذا النوع من الأحلام هو آخر ما تبقى لديهم من مساحات خاصة حرة لا أحد يمنعهم فيها من الحركة، ولا يحاسبهم عليها أو يغشهم بمحتواها.
في الشمال بعد ثورة 26 سبتمبر، كان لدى الشعب حلم جميل وهو تطبيق الـ 6 أهداف للثورة، ولكن لم يتحقق أي هدف منها، فالاسم كان جمهورية والنظام قبلي بجيش عائلي وشعب يسحقه الفقر والجهل في دولة تسبح خارج تفاعل المنظومة الدولية، وفي الجنوب قبل الاستقلال عن بريطانيا تم وعد الشعب بأشياء كثيرة، من ضمنها كانت وعود على شكل أحلام جميلة مثل "أكل العنب من الطاقة" (نافذة المنزل)، وبناء دولة مساواة وديمقراطية لشعب متحضر راقي الفِكر، رحلت بريطانيا ورحلت نصف الوعود معها، بينما تحقق حلم تذوق العنب بعد 23 سنة من الاستقلال، ولكن ليس من الشباك الجنوبي بل من شباك صعدة في الشمال، وذلك بعد أن تحقق حلم الوحدة اليمنية، التي تحولت لاحقاً إلى كابوس، بسبب الأحلام الضيقة والسيئة لبعض الجهلة المرتزقة في الهضبة المقدسة، وحبهم لنهب الممتلكات العامة والخاصة والسيطرة على الثروات واستحواذهم على النفوذ والسلطة.
اليوم أصبحت الأحلام لدى سكان الجمهورية اليمنية غالبتها مشتركة وهي من أجمل النشاطات اليومية والمتنفس النفسي الوحيد، الذي يهربون إليها من الواقع الصعب الذي يعيشونه ويبحرون من خلالها نحو المستقبل عبر أحلام مشروعة لمواطنين بسطاء "مطحونين" يحلمون بالعيش في مجتمع عادل منظم بشكل معقول، البعض منهم يحلم بوقف الحرب وبقطعة خبز وحبّة إسبرين وكلمة طيبة، وآخرون يحلمون بالعدالة والبنية التحتية والشفافية في الإدارة وبعقلية لا تقدس القبيلة والمنطقة، وهناك من وصلت الأحلام فيهم إلى أن يتخيل البلاد نظيفة من الألغام والكوليرا وحمى الضنك والملاريا والمناطقية والقبلية ومن الفاسدين والبلاطجة ورأس المال الحرام ومن ثقافة التبعية، والبعض يذهب به حلمه لرؤية ابن عامل النظافة وابن الحارس وابن الوزير يذهبون إلى نفس المدرسة الحكومية وعلاجهم في نفس المستشفى الحكومي، وهناك من يحلم بأن تشارك النخبة السياسية الوطنية وكل المثقفين والمفكرين في دعم القضايا العادلة للبلاد بفكرهم البعيد عن الحزبية والقبلية ونزولهم للشارع وليس عبر التلفاز ومواقع التواصل الاجتماعي، وآخرون يحلمون بالحصول على التعليم وأن تكون هناك جامعة أو حتى كلية واحدة على الأقل جيدة على المستوى العالمي في البلاد، وهناك بعض البسطاء من المثقفين يحلمون بأولوية الحقوق الاجتماعية على الحقوق السياسية، وفهم أن الوحدة ليست بالقوة والحرية باعتبارها "إرادة" وفكرة الدولة وبنائها هي "قضية مشتركة".
حلم المواطن ليس له بعد مادي فحسب، بل له بُعد روحي أيضاً ولا ينبغي بأي حال اعتبار الحلم ثابتاً اجتماعياً ونفسياً معيناً ومخرجاً في جميع الأوقات، ولكن من المؤكد أن الغالبية العظمى - وأنا واحد منهم - لديهم حلم مشترك، وهو رؤية وطن يسوده العلم والعدل والمساواة والاحترام والتقدير والنظافة وخالي من الرشوة.. وطن الكفاءات العلمية فيه تقود البلاد نحو التنمية والنهضة الاقتصادية.. وطن لا مكان للمناطقية والقبلية بين أبنائه.. وطن الأفضلية ليست بالوساطة والمحسوبية بل بالعلم والعمل والاجتهاد.. وطن يجعلنا لا نشعر بالخجل والغيرة عندما نزور بلدانا غيره