هل أضحى السلطان المزعوم في مرمى نيران العم سام ، وبات عليه تلقي هراواته الغليظة على أم رأسه؟ لا أحد يتلاعب وينجو براءة، ومغازلة المتناقضات لا تقيم الدول الكبرى، لكنه أردوغان غير الواثق إلى أحد، ولهذا يسعى لأن يجعل من تركيا قوة هيمنة عبر استعارة مكونات القوة، ولا مانع لديه من حيازة الصواريخ الروسية، واستيراد الطائرات الأميركية.
لم يعر أردوغان أي التفاتة للرفض الأميركي لامتلاكه لصواريخ «إس 400»، المتطورة ، والسبب الرئيس في مخاوف واشنطن هو أن أجهزة تشغيلها ستمكن الروس بشكل أو بآخر من الاقتراب من التكنولوجيا المكونة لطائرات « إف -35» ، الساعية تركيا للحصول عليها من الجانب الأميركي.
أردوغان المنكسر سياسياً في الداخل مؤخراً، يسعى إلى تصدير معاركه في الخارج، غير أنه يتناسى العواقب الوخيمة المحدقة به، فقد بات وجوده في إطار «الناتو» أمراً مشكوكاً فيه، ومع حيازته لهذه القدرة الدفاعية الجوية العالية تقترب مراحل انفصاله عن الأطلسي، والكارثة أنه لا يدري أبعاد الرفض الروسي الحقيقي له ولتوجهاته ، وربما لا يدري مقدار مقت القيصر له ولأفكاره.
أما حال فتح الدفاتر التاريخية بين روسيا وتركيا، وقراءاتها بعين ممحصة، س يدرك الأتراك أن الروس لم ولن يسمحوا لأردوغان بالاقتراب منهم، كحليف أو كصديق، يبيعونه بضع بطاريات من صواريخ ، للحصول على مليارات الدولارات ، وربما يحتفظون بتكنولوجيا إبطال مفاعيل عمل تلك الصواريخ من الفضاء الخارجي بلحظة معينة، سيما إذا تم توجيهها لطائراتهم.
لن تقف إدارة دونالد ترامب مكتوفة الأيدي أمام تمرد أردوغان، ولا ينبغي لها أن تفعل، إنها الآن في وضع حرج أمام أعين الشعب الأميركي في الداخل، سيما وأن ساكن البيت الأبيض قد وعد إعادة عظمة أميركا من جديد، ورد ما فقدته من هيبة في زمن باراك أوباما، ولهذا علت الأصوات في الإعلام الأميركي الأيام القليلة المنصرمة، كما الحال مع «وول ستريت جورنال»، مطالبة الكونجرس بإجبار أردوغان على ما أسمته الصحيفة الأميركية «دفع ثمن الخيانة».
ما هي الضربات المتوقع أن يتلقاها أردوغان الخاسر معاركه عما قريب من الطرف الأميركي؟ يمكن الإشارة بداية إلى أن أردوغان أضحى واقعاً لا محالة تحت طائلة :«قانون مواجهة خصوم أميركا»، والذي يفتح المجال واسعاً أمام الرئيس ترامب لاختيار ما يراه مناسباً ضمن 12 عقوبة متاحة لتهذيب «العثمانية الجديدة»، تلك التي تناست قواعد اللعبة الاستراتيجية الدولية ، والتوازنات الجيوسياسية المكونة للنظام ما بعد العالمي.
على مائدة ترامب اليوم، وبحسب قانون « كاتسا»، طائفة مؤلمة وموجعة لتركيا، تشمل وضع قيود على الاستثمارات في الديون والأسهم التي تعود بالفائدة على الأطراف الخاضعة للعقوبات، وقطع الوصول إلى النظام المالي الأميركي، والامتناع عن المعاملات العقارية.
ترامب لديه الآن إمكانية لوقف أي قروض أو تسهيلات ائتمانية يسعى أردوغان إليها من قبل المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي أو صندوق النقد، بل ويمكنه أن يمنع البنوك الأميركية من تقديم أي قروض لتركيا تتجاوز العشرة ملايين دولار.
في خلافات واشنطن مع بعض الدول، كانت الخارجية الأميركية عادة تذهب مذهباً قد لا يتفق كثيراً مع ما يراه جنرالات البنتاجون، سيما وأن الأخيرين لهم اهتمامات براجماتية على الأرض، أكثر سخونة من تطلعات الدبلوماسيين ورؤاهم ونظرياتهم الفكرية والأخلاقية.
غير أننا هذه المرة نرى إجماعاً غير عادي من وزارتي الدفاع والخارجية الأميركية معاً، لتوقيع أشد العقوبات على تركيا، وهذا ما ألمح إليه وزير الخارجية الأميركي «مايك بومبيو» في تصريحاته لصحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام، وبعد استلام تركيا أجزاء من منظومة الدفاع الصاروخي إس 400.
الناظر إلى الكونجرس الأميركي ومقدار التحفز جهة روسيا، وبخاصة في مجلس النواب المهيمن عليه من قبل «الديمقراطيين»، يدرك أن هناك فرصة ذهبية لإيقاع أضرار بالغة على الأتراك، والقصد منها في المجال الأبعد والأوسع روسيا، تلك التي يرون أنها ضالعة في أعمال التدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016.
في مقدمة العقوبات المتوقع بجدارة توجيهها لتركيا، حرمانهم من حيازة الطائرات «اف – 35» الأميركية المتقدمة، إذ باتت المسألة الآن أعلى درجات الأمن القومي الأميركي، إضافة إلى ذلك ينتظر أن تتلقى الصناعات الدفاعية التركية ضربة قاصمة للظهر، عبر منع تصدير أي قطع غيار أو مكونات رئيسية أميركية لها، ومعروف أن هناك جزءاً كبيراً من العتاد التركي أميركي الصنع. هل هي بداية عزل «الناتو» لتركيا، أم بداية انهيار سياسات أردوغان الفاقدة للتوازن؟ قد يكون الاثنان معاً، إذ لم تعد سياسات أردوغان صانعة المشاكل ممجوجة من الأميركيين فحسب ، بل باتت مكروهة من الأوروبيين أكثر. أعين الأميركيين تتطلع إلى الرئيس ترامب، وتنتظر وقع ضرباته المدوية، ولو انتظر قليلاً، وما هو أقل من ذلك سيضر حكماً حظوظه في إعادة انتخابه ثانية، سيما بعد تقديره بعدم الرد على إيران من قبل.
الاتحاد