عمر علي البدوي يكتب:
لمواجهة التحولات السعودية: إعادة تدوير المنتجات المتطرفة
بعد أن نجحت المملكة العربية السعودية في اتخاذ خطوات جريئة ساهمت في تجفيف منابع التشدد، وشرعت في سياسة جديدة من شأنها أن تقوض بُنى التطرف الذي كان يكسو واقعها ويصدّر لها المتاعب، وفي إطار خصومة تتفاقم بإصرار الدوحة على المكابرة والمضيّ عميقا في الهجوم السافر على الرياض، استعادت المنصات الإعلامية الممولة قطريا اللعب على طريقتها التقليدية، بإعادة تدوير المنتجات المتطرفة الموصومة بالإرهاب لاستخدامها بيادق في حربها المفتوحة على توجهات السعودية وسعيها الحثيث لتبني قيم التغيير والعصرنة.
إنها المهارة التي تُتقنها منصات قطر، إذ كان آخر ما سلته من كنانتها المتحفزة لمناكفة السعودية، هو الاستعانة بالسعودي الهارب إلى سوريا مصلح العلياني والملقب بأبوخالد الجزراوي، وأخذت في تلميعه وتضليل الجمهور بتسميته مدونا لمهاجمة السعودية وهيئة الترفيه واللعب بالمفردات التقليدية التي طالما تلاعبت بها وفخختها بالرسائل السياسية المشؤومة.
إنها “شنشنة أعرفها من أخزم”، إذ طالما استخدمت قناة الجزيرة وتوابعها هذه اللغة في وجه السعودية، عبر تأليب الداخل والنفخ في هواجسه الهويّاتية والقيمية لشق عصا الطاعة، وقد كان هذا الصنيع، على بشاعته، جزءا من المضض الذي كانت تطويه الرياض تحسبا لعودة العقل إلى الدوحة وتنزهها عن هذا السلوك الخبيث.
وبالعودة إلى الماضي القريب، كانت الجزيرة منبرا مفضلا لدى زعيم القاعدة أسامة بن لادن، وهو يبث خطابه التحريضي ضد السعودية، موظفا في ذلك التواجد الأميركي على الأراضي السعودية بوصفه انتهاكا للثوابت الدينية التي استقرت عليها شرعية الدولة ومعولا لهدم وتقويض التفاهم غير المرئي بين الشعب والسلطة. كانت الجزيرة تعوّل وتراهن على دسائسها من رموز الصحوة لاستكمال مهمة تفخيخ الداخل السعودي بتأليب الرأي العام، وتشتيت انتباهه، وتفتيت الثقة العفوية المبرمة بين أركان الاستقرار الوطني، وسوق جمهورها المعبّأ بالمفردات المبتسرة والمفاهيم المشوهة إلى حتفه. كان هذا المشهد الابتزازي هو الورقة الرابحة في يد نظام الدوحة للتمويه على مشروعه الإلغائي المستتر خلف دعاوى حرية الرأي والتعددية الإعلامية.
ثم استعادت المنصات القطرية النغمة نفسها هذه الأيام، بعد أن وافق العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبدالعزيز، على رفع مستوى التنسيق مع الحليف الأميركي وتمكينه من قاعدة الأمير سلطان بالرياض لزيادة فعالية التعاون العسكري بما يخدم الأهداف العملية للتوجه السعودي بتوطين الصناعة العسكرية وزيادة قدراتها الدفاعية.
وبازدواجية لا خجل فيها، تستدعي المنابر القطرية الخطاب التقليدي نفسه بإزاء هذه الخطوة، مشحونا بمزيج من هلوسات الإسلاميين وبقايا القومية البائدة وفرقعات محاور المقاومة والممانعة المتهتكة على التراب السوري.
لكن وبفضل الخطوات الجادة التي اتخذتها السلطات السعودية لإصلاح واقعها وتقويض البيئة الصحوية التي كانت تستجيب وتتصل بهذا النوع من الأطروحات الانفعالية بما يفتّ في استقرار المجتمع، ذهبت هذه الصيحات سدى بلا رجع لصدى في الداخل، وخابت مساعي الاستثمار الأرعن لهذه الملفات السوداء.
كما احتفت المنصات نفسها بقصة صحيفة “وول ستريت جورنال” الماكرة، عن نية المدان بالإرهاب خالد شيخ محمد، واستعداده لصفقة قضائية مع الولايات المتحدة تُلغى فيها عقوبة الإعدام عنه، مقابل أن يشهد ضد السعودية في الدعاوى المرفوعة من عائلات ضحايا الهجمات الإرهابية التي وقعت في 2001، رغم علاقاته الواسعة وتشابكه المريب مع قطر، وقيادات نافذة في الدوحة كانت آوته، وأمّنت فرصة هروبه من الملاحقة الأميركية.
إن علاقة المنصات الإعلامية التابعة لقطر مع رموز التطرف والإرهاب غير خافية على أحد، واللاعب بهذه الأوراق سيكون أول من تطاله النار والأضرار، وضلوع الدوحة في تمرير أجندتها من وراء هذه الرموز والخطاب الملتبس، يعدّ بمثابة من يطلق الرصاص على قدميه، وقد عاد ارتباط قطر بالتطرف والإرهاب إلى الواجهة عبر تقرير نيويورك تايمز حول الاستهداف الإرهابي للإمارات في الصومال وضلوع شخصيات قطرية رفيعة ورسمية فيه، وتقرير التايمز بشأن تمويل بنك الريان لمؤسسات متطرفة وبعضها مصنف إرهابيا، وسلسلة انفرطت ولا تتوقف من المفاجآت التي كانت مخبوءة خلف سعة البال والعفو الطويل عن سلوك قطر.
والواقع أن الأمل يضيق ويتعقد بعودة الدوحة إلى جادة الصواب، وأن الرهان يتركز على تقليص نفوذ هذا النوع من الخطاب التحريضي عبر الاستمرار بتحديث مجتمعاتنا وكف يد الجماعات المنخرطة من الداخل، على نحو ما فعلت السعودية وتفعل للمضي قدما في خطواتها الجادة لإصلاح الحال ونشدان أفضل مآل.