د. نبراس المعمورة تكتب:
الانكار ومراحل الحزن الخمسة
يواجه البشر خلال حياتهم اليومية الاحساس بالحزن والاحباط، او الذنب و العجز، وعدم القدرة على مواجهة الحقيقة؛ و يحاولوا الهرب بانكار الواقع الذي يعيشوه، وقد شخص علماء النفس ان الانسان في هذه الحالات يستخدم آلية دفاعية تسمى “حالة الإنكار”، سعيا منه لابقاء الحقيقة خارج الوعي رغم توفر اﻷدلة الدامغة على وجودها، و مناورة منه ليداري بها عجزه أو فشله عن اتخاذ قرار حاسم للمشكلة، بالرغم ادراكه ان الإنكار مجرد إجراء مؤقت لن يغير من حقيقة الوضع.
الكاتب الأسترالي جيرمي جريفيث يصف الإنكار بأنها محاولة للهرب من المشكلة و عدم مواجهتها، بينما كيو بل روس يضع الإنكار على رأس «مراحل الحزن الخمسة» ويفسره أنه حالة دفاع مؤقت لكن في اتجاه إغماض العين عن المشكلة الحقيقية التي يربطها روس بالموت، ويشير أن المرحلة الأخيرة توصل الشخص إلى التقبل المرهون بالوقائع التي ستفرض عليه تقبل المشكلة التي حاول إنكارها في البداية.
شخصت دراسات علم النفس اشكال عدة لحالة الانكار منها :
– إنكار حقيقة واضحة معززة بأدلة دامغة
– إنكار المسؤولية والقاء اللوم على اﻵخرين مثل لوم الضحايا أنفسهم أو لوم حكوماتهم، أو التقليل من التأثير السلبي للفعل.
– إنكار النتائج أو التقليل من أهميتها باستعمال معايير ﻻ تتناسب مع الحدث و ذلك هرباً من الشعور بالذنب أو الندم و لمنع الذات من التعاطف مع الضحايا
– إنكار الوعي و يعني محاولة تجنب المعاناة النفسية عبر الادعاء بأن ضعف الوعي و اﻹدراك سببه اﻷمراض العقلية أو النفسية أو عدم الفهم الصحيح، أوضح مثال على هذه الحالة والادعاء بأن اﻹرهابيين مرضى نفسيين أو أصحاب عقائد منحرفة تعتمد على الفهم المغلوط للموروث الديني أو الثقافي دون تكليف النفس مشقة الخوض في مراجعات علمية حول الموروث الذي يعتمده اﻹرهابيون.
– إنكار الفعل و إلقاء المسؤولية على الضحية فتصبح الضحية هي المجرم اﻷساسي و المجرم هو الضحية التي أجبرت على الدفاع عن نفسها. الا ان اخطر أشكال اﻹنكار هو.. إنكار اﻹنكار و يعني الثقة المطلقة بأن ﻻ شيء بحاجة للتغيير في السلوك و العادات، و يتجلى هذا في التيارات التي تؤمن بأزلية أفكارها و لديها حالة عدوانية تجاه كل من يحاول نقدها، و ميلها لألقاء اللوم على اﻵخرين مثل التيارات الفاشية السياسية و الدينية.
لو راجعنا تطبيق الإنكار في الحالة العراقية سنجد أن كثيراً من الأطراف المعنية في الشأن السياسي مارست حالة الإنكار بما ترتب من صراع و الم وعنف في مناطق النزاع، هناك من أنكر تحريضه على العنف والاقتتال الطائفي، وهناك في جانب آخر من دخل في حالة إنكار لارتكاب هؤلاء هذه الأفعال!
خطورة الانكار مرهونة بخطورة اﻷزمات الفكرية و اﻷخلاقية نتيجة السياسات المتخبطة والتي هدمت المجتمع باسره، سيما خطورة ما ترتب من عنف و قتل و دمار و هجرة و نزوح بعد سيطرة القوى الارهابية داعش على بعض المدن العراقية ..
فهل نحن بحاجة لاستراتيجيات تعالج العواقب السلبية المترتبة لعدم اتخاذ أي اجراء بصدد الافكار والسياسات غير العقلانية والتي ظلت في حالة انكار سياسي ؟
الكاتبة السودانية منى أبو زيد تقول : الإنكار السياسي لا يتعلق بمشاعر الحكومات بل بأقوالها التي تنزل أفعالاً على رأس الشعوب
المسؤولية كبيرة و لا تتوقف عند حدود هذا المقال فمعالجة الانكار بكل اشكاله يحتاج لجهد مشترك بين ما هو حكومي و غير حكومي من خلال وضع منظومة تربوية و قانونية تشجع على اﻹبداع الفكري الحضاري و تحرر العقل من كل القيود التي تكبله و تمكنه من اﻹبحار في فضاء المعرفة والتسامح و المحبة دون خوف، و بعيداً عن أي تهديد أو تحريض كان لأقوال وافعال الحكومات الدور الاكبر فيها !