وليد منصور يكتب:
الخلايا النائمة الإيرانية في أوروبا.. منصة للهجمات الإرهابية
حالة من الاستنفار تعيشها أجهزة الأمن الأوروبية، منذ التصعيد الإيراني في الخليج بعد العقوبات الأمريكية وتصفير النفط الإيراني التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو الماضي، وفي ظل إعلان طهران عدم قناعتها بآلية «إنستكس» -والتي كانت تبيح بيع النفط الإيراني مقابل الغذاء والدواء الأوروبي- وكشفت عنها دول الاتحاد الأوروبي في فيينا يونيو الماضي لمساعدة طهران ضد العقوبات، تثور في الأوساط الأوروبية حالة من القلق؛ خوفًا من استخدام نظام الملالي للخلايا النائمة التي يمتلكها في القارة العجوز لتنفيذ عمليات إرهابية.
هذا القلق دعا العديد من المسؤولين الأوروبيين لإيصال رسائل تحذيرية إلى حكوماتهم، فحذر «ناثان سيلز»، منسق مكافحة الإرهاب في بريطانيا، في تصريحات لصحيفة «الديلي تليجراف البريطانية» من خطر الهجمات الإرهابية الإيرانية، قائلًا: «أعتقد أن الحكومة الإيرانية تعتبر جميع الدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا، منصة مناسبة للهجمات الإرهابية، فالإرهاب هو العامل الرئيسي وراء بقاء النظام الإيراني، وبريطانيا ليست محصنة ضد هذه الهجمات، وإذا لم تتم محاسبة إيران، فستستمر هذه العملية، فيجب أن نمنع إيران من القيام بعمليات إرهابية في المستقبل؛ خاصة أنها تمتلك العديد من الخلايا الإرهابية النائمة في أوروبا، وهي في انتظار لأي تعليمات من مرشدهم الأعلى، وصناع القرار في طهران».
هذه التصريحات الأوروبية هي ما أكدها الجنرال علي فدوي، نائب القائد العام لقوات الحرس الثوري، والذي أعلن «امتلاك إيران للعديد من الانتحاريين يمكن استخدامهم عند الضرورة»، فالتاريخ الإيراني حافل بالعديد من العمليات الإرهابية التي نفذها الحرس الثوري، وميليشيا حزب الله اللبنانية- التي تنفذ أجندة ولاية الفقيه وتُشرف بشكل كبير على تنفيذ العمليات الإرهابية في دول العالم كافة- ضد أهداف أوروبية ومعارضين للنظام الإيراني، وتستخدم طهران سفاراتها وقنصلياتها ورجال البعثة الدبلوماسية التابعين لها بما لهم من حصانة يكفلها القانون الدولي في تنفيذ تلك العمليات الإرهابية.
وإذا ذكرنا الإرهاب الإيراني في أوروبا، من خلال خلاياها النائمة، العام الماضي فقط، سنجد أن إيران قامت في مارس 2018، بتدبير هجوم ضد تجمع كبير للمعارضة الإيرانية ومنظمة «مجاهدي خلق» خلال احتفال (النيروز) في ألبانيا، كما أحبطت السلطات الفرنسية هجومًا إيرانيًّا في 30 يونيو 2018، ضد تجمع سنوي يدعمه المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية، في مدينة «فيلبنت» في ضواحي باريس، وشهد هذا الهجوم تورط سفارة طهران وعدد من الدبلوماسيين، منهم (أسد الله أسدي) الذي يقبع الآن في سجون بلجيكا انتظارًا للمحاكمة، واعتقلت السلطات الدنماركية، في 20 أكتوبر 2018، مواطنًا نرويجيًّا من أصل إيراني، بعد أن أحبطت هجومًا إرهابيًّا في الدنمارك، والذي اعترف بوجود ترتيب مع سفارة إيران في أوسلو، وخلال العام الماضي، تم ترحيل دبلوماسيين من هولندا، نتيجة هجوم إرهابي العام الماضي ضد المعارضة، ودبلوماسيين آخرين من فرنسا، كرد على الهجوم الإرهابي في فيلبنت، كل هذه العمليات الإرهابية نفذتها طهران باستخدام عدد من خلاياها النائمة، بخلاف منظمة الزهراء الشيعية التي أعلنتها فرنسا منظمة إرهابية كانت تجنِّد عناصر للحرس الثوري، وتصرف عليها ببذخ من أجل استخدامهم ضد الدول الأوروبية والأمريكية.
وكشفت المعارضة في مؤتمر صحفي بالعاصمة البريطانية لندن في 12 سبتمبر 2018 عن وثائق بها تفاصيل تتعلق بالجهة المسؤولة عن تنفيذ العمليات الإرهابية في القارة العجوز، وضد الشخصيات المعارضة، وهي وزارة المخابرات العاملة في الخارج، ويتم إقرار عملياتها من مجلس الأمن الأعلى للنظام برئاسة حسن روحاني، وتتم الموافقة عليها من المرشد الأعلى علي خامنئي شخصيًّا.
وتحاول إيران إثارة الأوراق كافة والتصعيد من كل الجوانب، سواء بضرب ناقلات النفط في الخليج أو بضرب الطائرة المسيرة الأمريكية وغيرها؛ من أجل إجبار الدول الأوروبية على تخفيف العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والتي ستؤدي بشكل كبير في حال استمرارها إلى انهيار النظام من الداخل؛ خاصة بعد حالة التضخم التي وصلت إلى 40% في 2019، بالإضافة إلى زيادة حالة البطالة، والتي وصلت إلى 20% هذه الفترة بعد انسحاب الشركات الأوروبية والأمريكية من الاستثمار في إيران، وهي نسب مرتفعة للغاية ستشكل عبئًا كبيرًا على النظام الإيراني؛ خاصة أنه يحاول توجيه الأزمة للخارج بأنهم في حالة حرب مع أمريكا، وهي المحاولات التي فشلت بعد أن أدرك الشعب الإيراني حقيقة هذا النظام، وأنه لا يريد إلا دعم الميليشيات الإرهابية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط.
ويظل خيار تنشيط إيران للخلايا النائمة التي تمتلكها خيارًا قائمًا بالفعل وغير مستبعد، ولن يكون أمرًا جديدًا في ظل التاريخ الإجرامي لطهران، ولكن توقيت هذا التنشيط سيكون عند وصول حالة التصعيد والحرب بين إيران وأمريكا وأوروبا إلى الغليان، هو ما سيجعل طهران تستخدم تلك الخلايا من أجل إثارة الفوضى والقلائل ليكون سلاحًا للتفاوض، وهو الأمر الذي يتطلب من أوروبا تنشيط استخباراتها للعثور على الخلايا النائمة في القارة العجوز، وفضح الممارسات الإيرانية، والعمل على اتخاذ موقف شديد وقوي ضد نظام، يضرب بعرض الحائط القوانين والمواثيق الدولية كافة.