د. سامي خاطر يكتب لـ(اليوم الثامن):

من احتفال بالضوء إلى مرآة للانهيار: "يلدا" تكشف شرعية مأزومة

لم تكن ليلة "يلدا" عبر التاريخ الإيراني مجرد طقس ثقافي، بل تعبيرًا عن الاستمرارية والدفء الاجتماعي والانتصار الرمزي للضوء على العتمة. غير أنّ هذه الليلة، في ظل نظام الملالي، فقدت معناها الاحتفالي لتتحول إلى مؤشر اقتصادي–سياسي يكشف عمق الانهيار المعيشي واتساع الهوة بين الدولة والمجتمع. فبين التضخم الجامح، وانهيار العملة، والفساد البنيوي، لم تعد "يلدا" احتفالًا بالضوء بقدر ما أصبحت مرآة لسياسات أنتجت العتمة. فالعيد، حين يعجز المواطن عن الاحتفال به، يصبح أداة قياس لشرعية الحكم لا مناسبة للفرح.

اقتصاد الأعياد: عندما تكشف الأسعار زيف الخطاب

تشهد الأسواق الإيرانية قفزات حادة في أسعار الفواكه والمكسرات والمواد الأساسية قبيل "يلدا"، في وقت تتآكل فيه الدخول الحقيقية. هذا التناقض ليس موسميًا؛ بل نتاج سوء إدارة مزمن، وغياب سياسات حماية اجتماعية فعّالة. وبينما تروّج السلطة لخطاب "الصمود"، تُحمَّل كلفة الانهيار على كاهل المواطن، في صيغة تُفرغ الثقافة من مضمونها وتُبقي الدولة بمنأى عن المساءلة. هذا الارتفاع لا يرتبط بقوانين السوق الطبيعية، بل يعكس فشل السياسات النقدية وغياب الرقابة الحقيقية، ما يحوّل العادات الاجتماعية إلى امتياز طبقي. وهكذا، تصبح الطقوس الثقافية ضحية مباشرة لاقتصاد منهك تُديره شبكات محسوبية لا مؤسسات دولة.

ما وراء ذريعة العقوبات

يواظب النظام على تحميل العقوبات الدولية كامل المسؤولية، في تجاهل متعمّد لعوامل داخلية حاسمة، أبرزها الفساد البنيوي، وهيمنة الكيانات المرتبطة بالحرس الثوري على قطاعات واسعة من الاقتصاد، وتوجيه الموارد نحو مشاريع أيديولوجية خارج الحدود. إن إصرار السلطة على أولوية النفوذ الإقليمي على حساب الأمن الغذائي يعكس خللًا بنيويًا في ترتيب الأولويات، لا يمكن تبريره بعوامل خارجية وحدها.

القمع بدل الإصلاح: إدارة الأزمة بالقبضة

بدلًا من معالجة جذور الأزمة، يلجأ النظام إلى إدارة الغضب الاجتماعي بالقوة، عبر تشديد الرقابة الإعلامية وملاحقة الأصوات الناقدة، خصوصًا في مواسم حسّاسة مثل الأعياد. هذا السلوك لا يخفف الضغط، بل يعمّق الإحساس بالاختناق، ويحوّل كل مناسبة اجتماعية إلى تذكير يومي بعجز الدولة عن القيام بوظيفتها الأساسية.

الثقافة كرهينة للسياسة

حين يعجز المواطن عن ممارسة أبسط طقوسه الثقافية، تتآكل الشرعية الرمزية للنظام. إن تحويل المناسبات الثقافية إلى مناسبات للحرمان ليس عرضًا جانبيًا، بل نتيجة مباشرة لسياسات تُخضع المجتمع لمنطق السيطرة. فحين تُفرغ الدولة الطقوس من معناها، فإنها تُقوّض العقد الاجتماعي وتُسرّع فقدان الشرعية، خاصة بين الأجيال الشابة. فالثقافة ليست تفصيلًا هامشيًا، بل أحد أعمدة العقد الاجتماعي. وتحويلها إلى عبء اقتصادي يكشف عن سلطة لا ترى في المجتمع شريكًا، بل عبئًا يجب ضبطه.

توصيات لصنّاع القرار

 ربط أي انفتاح دبلوماسي بتحسينات ملموسة في معيشة الإيرانيين، لا بتعهدات شكلية. وتشديد استهداف شبكات الفساد والكيانات الاقتصادية التابعة للحرس الثوري عبر أدوات مالية ذكية. ودعم المجتمع المدني والإعلام المستقل لفضح كلفة السياسات على الحياة اليومية. وإعادة توجيه العقوبات لتقليل أثرها على الغذاء والدواء، مع رفع الكلفة على الإنفاق الخارجي للنظام. وإسناد المبادرات الثقافية المستقلة التي تحافظ على الهوية بعيدًا عن التوظيف السياسي.

الخاتمة: "يلدا" كإنذار لا يمكن تجاهله

لم تعد ليلة "يلدا" مجرد أطول ليالي السنة، بل أصبحت رمزًا لانهيار نموذج حكم فشل في توفير الحد الأدنى من الكرامة الاقتصادية لمواطنيه. إن تجاهل هذه الإشارات لا يطيل عمر النظام، بل يسرّع تآكل أسسه. وفي إيران اليوم، يبدو أن الضوء لا يُسرق من الليل، بل من الناس.