أزراج عمر يكتب:
هل يغير موقف بن بيتور مسار الانتخابات الجزائر
هل ستجرى الانتخابات الرئاسية الجزائرية في الموعد الذي حدده لها النظام الجزائري في 12 ديسمبر 2019، أم أنَ تعقيدات الوضع السياسي قد تتمخض عنها مفاجآت سلبية ستعوق تحقيق أمنية النظام الجزائري؟ وهل يمكن اعتبار سحب 60 مرشحا لاستمارات الترشيح للرئاسيات، كما أعلن عن ذلك علي ذراع المكلف بالإعلام لدى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، علامة على وجود إمكانية نجاح مساعي النظام الجزائري في تجاوز أزمة الفراغ السياسي الذي يخيم على البلاد أم أن المرشحين الذين أبدوا رغبتهم في الترشح حتى الآن ليسوا سوى فئة “الأرانب” التي لن تقنع المواطنين الجزائريين لأنها جزء عضوي من الأزمة من جهة، وبسبب تدني المستوى السياسي والفكري لأفراد هذه الفئة وافتقادهم للعمق الشعبي ولتجربة إدارة شؤون الدولة من جهة أخرى؟
يجمع المحللون السياسيون للشأن السياسي الجزائري أنَ التصريح الأخير الذي أدلى به الاثنين الماضي الوزير الأول الجزائري الأسبق أحمد بن بيتور، وأكد فيه رفضه المشاركة في سباق الانتخابات الرئاسية القادمة، يمثل صفعة قوية لكل من النظام الجزائري الحاكم ولعدد من أحزاب المعارضة المتذبذبة بخصوص مشاركتها أو عدم مشاركتها في هذه الانتخابات المذكورة.
لا شك أن تصريح هذا الرجل الذي ينتمي إلى الإثنية الميزابية الأمازيغية ذات الفرادة الثقافية والدينية في الجنوب الجزائري، قد تكون له تداعيات كثيرة كأن يستقطب إلى صفه عددا كبيرا من الشخصيات الجزائرية أمثال رئيس الوزراء الأسبق مولود حمروش، وأحمد طالب الإبراهيمي المصنف كقطب بين أقطاب الرعيل الأول لحركة التحرر الوطني والذي كان الساعد الأيمن للرئيس الراحل هواري بومدين، ويقنعهم ببناء التكتل الرافض للترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. حسب الاتصالات التي قمنا بها مع المنشغلين بالأزمة الجزائرية فقد استنتجنا من تحليلاتها أن موقف بن بيتور قد يلعب دور الحافز لمعظم أحزاب المعارضة لرفض الترشح للرئاسيات الأمر الذي سيجعل الحراك الشعبي في موقع القوة ويدفع بالناشطين في صفوفه إلى توظيف رفض كل هؤلاء الترشح للرئاسيات كحجة على غياب التوافق الذي يعطي الشرعية لهذه الانتخابات.
والواضح أن هذه الأحداث يمكن أن تفرز محورا سياسيا له فرادته في المشهد الجزائري، يمكن أن يكون له تأثير مادي على جماهير الجزائر العميقة ويجندها لخوض غمار التصدي لانتخابات 12 ديسمبر القادم. ولا ريب أن السلطات الجزائرية تحسب لمثل هذه التطورات حسابا دقيقا لأنها تدرك أن عدم توفر المشاركة الواسعة في الانتخابات القادمة ستكون له تداعيات خطيرة على مصداقية خياراتها وعلى الاستقرار السياسي في الجزائر.
وهنا نتساءل لماذا رفض بن بيتور الترشح للرئاسيات؟ وهل يعود ذلك إلى أسباب شخصية أم إلى كونه يعلم أن الرئيس القادم مفروغ منه حيث قد وقع عليه اختيار النظام الحاكم مسبقا كما تعود على فعل ذلك منذ الاستقلال، وأنه لن يسمح لأي شخصية أخرى مهما كان حجمها السياسي أن تغيَر هذا الاختيار؟
في هذا السياق أوضح الإعلامي الجزائري نجيب بلحمير “منذ بداية الحراك الشعبي كان بن بيتور واضحا في موقفه، إذ اعتبر أن الخيار الوحيد هو أن يتفاوض النظام على كيفية رحيله، وأن ما دون ذلك سيكون مجرد محاولة لتمديد عمر نظام يعتبر من وجهة نظره قد انتهى، وقد كانت جميع تدخلاته في وسائل الإعلام منذ 22 فبراير منسجمة، وقد رفض المشاركة في الحوار الذي أطلقته السلطة، وانسحب من المشاورات التي كانت تجريها المعارضة بعد مشاركته في الاجتماعات التي عقدت في الأسابيع الأولى من الحراك”.
وفي هذا الخصوص أكد علي قسايسية، أستاذ الإعلام بجامعة الجزائر، أن موقف رفض المشاركة في الانتخابات الذي تبناه بن بيتور يدخل في إطار التزامه بمواقفه الثابتة انطلاقا من “أن كل إنسان لا يرغب في أن يكون معينا من قبل السلطة الفعلية بدلا من انتخابه من قبل الشعب وأعتقد أن عهد صناعة الرؤساء في الجزائر قد ولَى حيث استعاد الشعب سيادته علي الشارع كمقدمة لبسط سلطانه على المؤسسات”.
الواضح أن تذبذب مجموعة أرضية “مازفران” بما في ذلك عدد من أحزاب المعارضة، وانصياع أحزاب وشخصيات مدنية أخرى لإرادة النظام الحاكم هما العاملان اللذان جعلا بن بيتور يحافظ على موقعه المستقل وبذلك يعتبر، حسب الإعلامي نجيب بلحمير، “من الشخصيات التي حافظت على مصداقيتها واستقلاليتها منذ انسحابه من رئاسة الحكومة بعد خلاف مع عبدالعزيز بوتفليقة وبعض الوزراء المقربين منه والذين كانوا يوصفون بـ“وزراء الرئيس“، كما أن مؤهلاته لعبت دورا أساسيا في بناء صورة النزيه التي يتمتع بها في الوسط السياسي، لكن الأهم من هذا هو أن اسمه طرح ليكون مرشح توافق، وقد تم تداول معلومات عن نية حركة مجتمع السلم اقتراح اسمه كمرشح للتوافق يمكن للمعارضة أن تزكيه، أو حتى ضمن اتفاق مع السلطة، ولعل إعلان بن بيتور رفضه المشاركة، بعد تداول هذه المعلومات، مثل ضربة قوية لمصداقية الانتخابات التي لن تشارك فيها، على ما يبدو، إلا شخصيات معروفة بخبرتها في ‘المشاركة'”.
المتوقع هو أن عدم ترشح بن بيتور سيتجاهله النظام تماما كما تجاهل كل المبادرات التي قدمتها شخصيات وطنية، إذ أن المبادرة الوحيدة السارية المفعول هي مبادرة السلطة الفعلية التي جهزت لها كل الظروف المادية والقانونية والبشرية والسياسية الخارجية.