نورا المطيري تكتب:

أعداء السلام

بين الهُدنة الهشة التي وقعتها تركيا مع أمريكا لوقف اجتياح القوات التركية لشمال شرق سوريا، وبين المماطلة والتسويف التي يقوم بها «الإخوان» في شرعية اليمن للحيلولة دون التوقيع على اتفاقية الصلح والتسوية مع المجلس الانتقالي، راح لبنان ينتفض على وقع سيطرة حزب الله والتيار الوطني الحر وحركة أمل على مفاصل الدولة اللبنانية.القاسم المشترك الأكبر الذي يجمع بين ما يفكر به أردوغان وحسن نصرالله والإصلاح في اليمن هو الإرهاب، أما القاسم الثاني الذي يجمع هؤلاء مع الحوثية فهو إيران وقطر، والدفع نحو التأزيم والتأجيج، وتشتيت ووأد فرص السلام والاستقرار، التي تنشدها سوريا ولبنان واليمن.

علم الجميع، أن أردوغان، وحفظاً لماء وجه حزب العدالة والتنمية، قد قرر اللعب بورقة الحدود والهوية، فخطط لإقامة دولة تضم الميليشيات الإرهابية في شمال شرق سوريا، تحتل المنطقة الكردية، وتحفظ له حدوده وتصبح واحدة من حظائره التي يشرف عليها، فقرر عمليته التي أسماها « نبع السلام».



لكن الرئيس التركي، لم يتوقع أن يقف العرب جميعاً، صفاً واحداً، في وجه مخططه الغاشم لاحتلال سوريا، وكذلك لم يخطر بباله أن ذلك سيصادف زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى السعودية والإمارات، والاستماع إلى رسائل الرياض وأبوظبي، حول المخططات الأردوغانية، والموقف العربي الحاسم تجاهها، وظن أنه من السهل التلاعب بأمريكا، حتى بعد رسالة ترامب الغاضبة، وقول الأخير مهدداً: «لا تكن أحمق يا أردوغان».

لم يتوقف الأمر عند ترامب، فالمراقبون جميعاً، كانوا يعلمون أن أردوغان سيخرق الهدنة، لذلك وصف الرئيس الفرنسي التدخل العسكري التركي في سوريا بـ«الحماقة». وقال «إن تركيا ستكون المسؤولة في حال نهوض تنظيم داعش الإرهابي من جديد»، وطالب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك، تركيا بإنهاء تدخلها العسكري في سوريا على الفور، وفعلاً، استمرت الحماقة، وخرقت القوات التركية، كما هو متوقع، وقف إطلاق النار المعلن، وشنت قواتها هجوماً على بلدة رأس العين، متجاهلة الهدنة وتعليق العمليات، وكافة التحذيرات والتهديدات.

على ذات الإيقاع، يتجاهل الإصلاح في اليمن، التحذيرات الكثيرة حول التصعيد بين الشمال والجنوب، فاختاروا عرقلة حوار جدة، بل تمادوا، كما أردوغان، في غيهم، وراحوا ينشرون الأكاذيب حول تنازلات من المجلس الانتقالي، وطلبهم مناصب حكومية، فوضع الإصلاح الإخواني مخططاً يستهدف العلاقات الإماراتية السعودية، والتحالف العربي عموماً، لخلخلة المعادلة المتماسكة، والتنسيق المستمر، ولإشاعة الفوضى والخراب.

العبث الذي يقوم به رموز في شرعية اليمن، يفتقد الذكاء وبُعد النظر، فيظهر جلياً اللغة المشتركة بين ما تدّعيه قناة الجزيرة، والذي يمثل رأي الحمدين، وما يدعيه هؤلاء المتنمرون غير الأوفياء، لما قامت وتقوم به الإمارات، خلال السنوات الماضية، لإعادة الأمل إلى اليمن، شماله وجنوبه، من سقطرى إلى صنعاء، ومن المهرة شرقاً، حتى حجة والحديدة غرباً..!

بالنظر من الأعلى إلى الأسفل، وبعد استقبال سعد الحريري في الإمارات، والسماح بزيارة لبنان، ظنّ حزب الله أنه سيلعب لعبة صغيرة رداً على ذلك، فقام ليلاً، وأشعل بعض الإطارات في طريق المطار، ولم يحسب أن تلك النار التي أشعلها، ستمتد وتتحول إلى غليان شعبي، سيطاله أول ما يطال، فوقف حسن نصرالله مصدوماً بما حدث، ولعن الساعة التي قرر فيها تلك اللعبة الخبيثة!

ماذا يجمع هؤلاء جميعاً؟ وجهة نظري ترى أن السعودية والإمارات، تقومان بجهود جبارة تجاه الأمة العربية والإسلامية، على الصعيد السياسي والعلمي والاقتصادي والإنساني، وكذلك على صعيد محاربة الإرهاب والتطرف وإرساء السلام والتعايش السلمي، ولكن ذلك يتعارض ويتقاطع بشدة مع أهداف الإخوان وحزب الله وداعش والقاعدة وغيرهم من الجماعات الإرهابية، لذلك راح أعداء السلام يلفظون أنفاسهم الأخيرة الشريرة.

* كاتبة وإعلامية