د. حسن بن عقيل يكتب لـ(اليوم الثامن):
في رحاب اتفاق جدة .. لإنهاء الأزمة في اليمن الجنوبي
شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي (الحكومة الموالية للسعودية) و شرعية عيدروس الزبيدي ( المجلس الإنتقالي الموالية للإمارات ) يستعدون لتوقيع اتفاق لإنهاء الخلاف السعودي الاماراتي في عدن . يقول مسؤولون حكوميون يمنيون خاضعين للطرفين ان الاتفاق يدعو إلى تقاسم السلطة و الهيمنة على مواني و ثروات اليمن الجنوبي و إجراء تعديل حكومي لتشمل الحكومة على عناصر من الطرف الإماراتي ، سيوقع على هذا الاتفاق اذرع هاتين الدولتين في الرياض . جماعة عبدربه منصور هادي و جماعة عيدروس الزبيدي ، الذي أكد و أصر على استعادة استقلال الجنوب في خطاب القاه ليلة الثلثاء 28 أغسطس 2019 قال عيدروس الزبيدي " نؤكد لكم ثباتنا على العهد الذي قطعناه على أنفسنا امام شعبنا ، و المتمثل باستعادة استقلال الجنوب و بناء دولته الفدرالية المستقلة كاملة السيادة " .
الاتفاق في كثير من بنوده مهين لشعب الجنوب ، إعادة هيكلة القوات المسلحة تحت إشراف السعودية بعد انسحاب القوات الإماراتية . نحن نعلم ان القوتين السعودية و الإماراتية ماذا عملت خلال الخمس سنوات ، هذا موضوع آخر ، المهم ان إستبدال قوات اماراتية بقوات سعودية ، أي تبادل ادوار بين الرياض و ابوظبي لإنهاء الأزمة فيما بينهم ، ووضع خطط جديدة حول كيفية المضي في إبتزاز و استغلال ثروات و مواني و جزر اليمن الجنوبي وفق المستجدات الإقليمية و الدولية .
ان استيلاء قوات المملكة العربية السعودية على ميناء و مطار مدينة عدن و قواعدها العسكرية بحجة إنهاء الصراع على السلطة بين هادي و الزبيدي 2019 . على ما أعتقد انها ، سوف تدخل حرب اليمن في منعطف أكثر تعقيدا ، و يضع العوائق امام حلها داخليا ، بالذات في جنوب اليمن ، الذي هو مسرح عمليات التنافس بين الرياض و ابوظبي . The UAE scaled down its presence in Yemen in June as Western pressure mounted to end the conflict that has pushed millions to the brink of famine.
ان احداث أغسطس 2019 في عدن تعتبر فضيحة و كشف الدوافع الاستعمارية للعدوان ، الذي قام به التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015 على الجمهورية اليمنية . الذي كان من اهم اهداف حرب اليمن 2015 هو دعم شرعية حكومة هادي ، ضد " المتمردين كما يسميهم " من انصار الله . إذا كيف الان يدعم التحالف " الانفصاليين كما يسميهم " من المجلس الانتقالي ضد الحكومة الشرعية ، حكومة هادي ؟ بالرغم مطالب المجلس الإنتقالي ، من حيث المبدأ مشروعة . إذا قواعد اللعبة أختلفت ، طالما قبل التحالف بشروط القوى الانقلابية من المجلس الانتقالي ، فعليه ايضا ان يقبل بشروط أنصار الله التي هي مشروعة أيضا . و الغاء قرار مجلس الامن 2216 و غيرها المرتبطة بها ، التي تطالب أنصار الله بتسليم السلاح لصالح الحكومة هادي ، التي تشترط تنفيذ تلك المطالب للدخول في تسوية . هناك امر آخر مهم ، الشرعية و التحالف كانا يصران على تقسيم اليمن الى أقاليم . بينما حدد اتفاق جدة المجلس الانتقالي الجنوبي شريكا ممثلا للجنوب في مفاوضات السلام ، و يتم تأجيل موضوع الأقاليم . هذه خطوة الى الأمام ، إذا علينا اعتبار ان أنصار الله هو الآخر شريكا ممثلا للشمال في مفاوضات السلام . هذا سوف يسهل المهمة امام المجتمع الدولي الساعي لإنهاء الحرب في اليمن .
الاستنتاج هو كالأتي : عبدربه منصور هادي في 21 سبتمبر 2014 رفض في شمال اليمن ، و في أغسطس 2019 رفض في جنوب اليمن ، أي رفض من كل اليمنيين شمالا و جنوبا . هذا ما أكدته موغيريني ، في تصريح صحفي يوم السبت 5 أكتوبر ، حيث أعتبرت ان " الرئيس عبدربه منصور هادي لم يعد شرعيا ، و ربطت نجاح أي تسوية سياسية بالبحث عن البديل لهادي " . طالما النص النهائي لــ " اتفاق جدة " غير موجود و الذي نملكه تسريبات ، لذا نقدم ملاحظات اولية على بعض البنود :
اولا ، طبيعة " اتفاق جدة " انه كشف و أكد ان العدوان السعودي – الإماراتي 2015 . كان هدفه الحقيقي تمزيق وحدة الجمهورية اليمنية . عبر نظام الأقاليم و احتلال الجنوب اليمني و نهب خيراته و تنفيذ مشاريع صهيونية للهيمنة على باب المندب و الجزر اليمنية . للجنوبيين خبرة في التعامل مع المستعمر ، و خبرة في مقاومة المستعمر . قبل 1937 كنت عدن تحكم كجزء من الهند البريطانية . في يوليو 1936 عرض وزير المستعمرات مشروعا من خمسة و عشرين بندا من بينها تغيير تسمية المسؤول عن ادارة عدن من كبير المندوبين الى حاكم مستعمرة عدن و قائدها ( Governor and commander in-chief of the colony of Aden ) وبدأ سريان هذا القرار من اول ابريل 1937 ،و بعد ذلك اصبحت عدن ذات حكومة بنمط استعماري مباشر .
نلمس الآن اعادة صياغة الأمر في " اتفاق جدة " بما يتمشى مع العصر . بريطانيا تسمي حاكم عدن " القائد العام لمستعمرة عدن commander in-chief of the colony of Aden " ، لكن النظام بذاته في عدن يخضع لقوانين المستعمرات ، لا للقائد العام . لكن نص التعيين السعودي الإماراتي 2019 يقول يعين " عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية و مصدر الأساسي للمشروعية السياسية في اليمن " ( حسب نص اتفاق جدة ) . و للتوضيح أكثر جاء في " اتفاق جدة " ما يلي " تقوم المملكة العربية السعودية بتشكيل فريق سياسي يقيم في عدن و يتولى عملية الإشراف على تنفيذ الاتفاق ويباشر الفريق مهام عمله انطلاقا من عدن " ، " تباشر المملكة العربية السعودية إعادة فتح سفارتها في عدن و تقدم كافة الاستشارات القانونية لكل الأطراف المنخرطة ضمن هذا الاتفاق " . أي تحويل عدن والجنوب اليمني الي مستعمرة سعودية – إماراتية . و تمرير خططهم عبر المندوب السامي السعودي – الإماراتي عبدربه منصور هادي ، و الذي جعلت منه المصدر الأساسي للمشروعية السياسية في اليمن وهو مرفوض في الشمال و الجنوب ، و تؤكد هذا السيدة موغيريني رئيسة المفوضية الأوروبية ، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية و السياسة الأمنية بالاتحاد الأوروبي. للاسف ان اطراف جنوبية شاركة في صياغة هذا النص منها معروفة بذيليتها للمملكة السعودية مثل الحكومة الشرعية ، و اخرى . لا نتوقع من المجلس الإنتقالي الجنوبي ان يهرول نحو المناصب و يتخلى عن عهده لجماهيرة حينما وعدهم في خطاب القاه ليلة الثلثاء 28 أغسطس 2019 قال " نؤكد لكم ثباتنا على العهد الذي قطعناه على أنفسنا أمام شعبنا ، و المتمثل باستعادة استقلال الجنوب و بناء دولته الفدرالية المستقلة كاملة السيادة " . أهل قيمة استقلال الجنوب هو " بأن يتحصل المجلس الإنتقالي على حقيبتين وزاريتين فيما يتحصل كل من الائتلاف الوطني و الحراك الثوري و مؤتمر حضرموت الجامع كل منهم على حقيبة وزارية واحدة ، و بمجموع شامل لكل الأطراف عدده خمس حقائب وزارية " وغيرها من الفتات الصغيرة . أستغفر الله .. أشعب الجنوب هكذا رخيص عندهم ، الذي كافح و ناضل من اجل الاستقلال . الان قياداته راكعة امام بوابة الاستعمار المتخلف السعودي الاماراتي ، في جدة و الرياض و ابوظبي . تستجدي استلام مناصب وهمية و منح مالية . المجد لشعب غزة الصامد ، المجد للبنان مدرسة الثورة ، المجد لسوريا درع الامة العربية و المجد لأنصار الله الأبية و الهائجة على الطغاة .
شعب الجنوب اليمني يرفض هذا الاستعمار الواضح و الذل و الإهانة . و المفكر السياسي اليمني الدكتور محمد حيدرة مسدوس قد حدد جوهر قضية الصراع في الجنوب قال ، ان قضية شعب الجنوب هي حصوله على وطنه و ليس حصوله على مناصب في السلطة ، لأن قضية الوطن هي قضية " وجدان " و ليست قضية سلطة . فلو كانت المناصب ، يقول دكتور مسدوس هي الحل ، لكان حلها منصب هادي و منصب فرج بن غانم و باجمال و باسندوة و بحاح و بن دغر و غيرهم .
ثانيا ، المضحك و المبكي ان المشاركين في وضع اتفاق جدة هم عناصر مصابة بمرض النرجسية ، وهذا يعني اضطراب في الشخصية . المصاب بهذ المرض يتميز بالغرور ، التعالي ، و الشعور بالأهمية و محاولة الكسب ولو على حساب الآخرين ، و يتظاهر ليكون شيئ أكثر اهمية مما هو عليه بالفعل . حسب نص ( اتفاق جدة ) ، العمل على " تشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه استنادا الى مخرجات مؤتمر الحوار الوطني التي نصت على المناصفة بين الشمال و الجنوب " . هذا دليل واضح على ان قيادتنا مصابة بمرض النرجسية الممزوج بمرض السايكوباثية " Psychopathy " أي سلوك معادي للمجتمع " anti-social" .
السؤال كيف تفكر يا عبدربه منصور هادي بتشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه . انت تعلم ان صنعاء بها حكومة وطنية على الارض ، يعترف بها ضمنيا ولي امركم السعودية و الامارات و الولايات المتحدة و تحاوره سرا و علنا . على ما اعتقد ان جماعة الشرعية و من حولها لم تتابع ما يحصل حولها من متغيرات . منها ملف العلاقة الخليجية الامريكية . بأختصار ننقل ما قاله السفير الأمريكي الأسبق لدى الرياض تشارلز فريمان إن الأولويات الجيوسياسية للولايات المتحدة في منطقة الخليج تغيرت بشكل كبير مقارنة بالسنوات الي تلت الثورة الإيرانية . و اشار فريمان في كلمة خلال منتدى الخليج الثاني في واشنطن إلى أن أولوية بلاده حاليا هي حماية إسرائيل من التهديد الإيراني . و أضاف " من الواضح ان استقرار الخليج لم يعد محور اهتمامات السياسة الأمريكية . و قال ان هناك 45 ألف جندي أمريكي و حشودا من المتعاقدين مع وزارة الدفاع منتشرون في منطقة الخليج " لكن مهمتهم المعلنة لم تعد تأمين الأمن النفطي أو حماية الدول العربية الصديقة. وجودهم تهديد عقابي للبرنامج النووي الإيراني الذي قد يكون موجودا أو غير موجود ، و للدفاع عن إسرائيل من إيران . كما أوضح السفير الأمريكي الأسبق لدى الرياض أن الدول العربية و الخليجية تعمل الآن على تقليص اعتمادها على الولايات المتحدة . و اضاف انه " من غير المستغرب أن تكثف دول الخليج جهودها للحد من الاعتماد على الدبلوماسية و القوة العسكرية الأمريكية للدفاع عنها ، فهي بصدد زيادة مشترياتها من الأسلحة و تنويع علاقاتها الاقتصادية الدولية و أسواق الأسلحة و بناء صناعتها العسكرية و استكشاف التقارب مع ايران " . وهذا ما تقوم به الإمارات العربية المتحدة قد حسنت علاقاتها مع إيران كما يقول محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني بأن الإمارات كانت سباقة في العلاقات مع إيران و بادرت الى تسوية القضايا السياسية معها . و كذا قال علي أكبر تركي عضو البرلمان الإيراني ان الإمارات تعتبر نفسها سويسرا الشرق الأوسط و نشاطها الاقتصادي مرتبط بالأمن ، لذا ادركت الإمارات ان الغربيين و السعودية ليس بإمكانهم توفير الأمن لهم . لهذا طورت علاقتها بإيران . ان تطور الإمارات الاقتصادي و أمنها مرهون " بالتوقف " عن معادة إيران ، الإمارات غير قادرة على تحمل كلفة أي صدام مع إيران .
الآن السعودية أدركت بعد خمس سنوات من الحرب ، و ضرب المنشآت الاقتصادية السعودية منها شركة ارامكو في بقيق و خريص و تأثيره على أسواق النفط و كذا الهزيمة العسكرية المدوية " عملية نصر من الله " في نجران . بدأت تفكر جديا في عملية السلام مع أنصار الله عبر إيران و الوساطة الباكستانية احد مؤشراتها . و قول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمحطة سي بي إس الإخبارية إنه يتطلع إلى حل سلمي للنزاع ، اضف الى أن أنصار الله أثبتوا أنهم من أكثر المقاتلين إنضباطا و فاعلية في شبه جزيرة العرب . لهذا المراقبون السعوديين يرون الآن أن الحرب على الحدود الجنوبية تشكل تهديدًا أكبر من ذي قبل . و قد أكد على هذا المحلل الخليجي Neil Partrickنيل بارتريك ، هو محرر وكاتب رئيسي في كتاب "السياسة الخارجية السعودية: الصراع والتعاون". قال بارتريك إن السعودية و حلفائها في الخليج لا يريدون الدخول بمفردهم في محادثات خوفًا أو ضعفًا . He acknowledges there is a realization, though, that some sort of regional security discussions may be needed and would include the US and other international actors. و انهم بحاجة إلى مناقشات أمنية إقليمية وتشمل الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الدولية الفاعلة . و نحن نعرف ان الولايات المتحدة غير راغبة في الدخول في أي حرب في المنطقة .
مما ذكر اعلاه أي حكومة مناصفة تفكر فيها الشرعية بين الشمال و الجنوب ، اني انصح المجلس الإنتقالي و بالذات السيد عيدروس الزبيدي كنت مناضلا في حركة حتم وعملت على تأسيسها و شاركت بفعالية في الحراك الجنوبي ، عملت محافظ محافظة عدن 2015 ــ 2017 .. بعد ذلك اسس هيئة سياسية في جنوب اليمن " المجلس الانتقالي " تضم ممثلين من كل المحافظات الجنوبية و الشرقية المتعاطفين معكم بعد عزلكم من منصب محافظ محافظة عدن . احتضنتكم الامارات بنوايا سيئة عبر الاغراء المادي . تدريجيا و جهتكم لخدمة مصلحها و ضد أعدائها . اما عبد ربه منصور هادي فهو منذ عام 2015 كان عميلا تابعا للمملكة العربية السعودية وهي التي نصبته رئيسا . و للامانة التاريخية انتم وصلتم الى قمة السلطة دون أي حق شرعي ، أي دون انتخاب أو سند دستوري أو قانون . هادي تم تعيينه من قبل دول اجنبية الرياض و ابوظبي و يستلم منح مالية منهم مقابل خدماته ، و انت ، السيد عيدروس الزبيدي صحيح و صلت الى قمة السلطة عبر الشرعية الثورية ، تحت شعار " استعادة استقلال الجنوب و بناء دولته الفدرالية المستقلة كاملة السيادة " . في أغسطس 2019 حصل خلاف سعودي إماراتي حول اليمن ، فوجها كل منهم حلفائه " الشرعية و الإنتقالي " للاقتتال لتصفية حساباتهم في اليمن . الان الحمدالله تمت المصالحة . و سربت الصحافة المحلية ان الطرفان اتفقا على تقاسم السلطة و تشكيل حكومة و تأجيل موضوع الاقاليم . تأجيل موضوع الأقاليم ، هذا عمل و إنجاز ايجابي . إذا نحن امام اقليمين ، اقليم شمالي و به سلطة امر الواقع بقيادة أنصار الله و له علاقاته الاقليمية و الدولية و هي معلنة . الان نسعى لاقامة سلطة في اقليم الجنوب بقيادة جاءت عبر الشرعية الثورية " المجلس الإنتقالي " تحت شعار استعادة استقلال الجنوب و بناء دولته الفدرالية المستقلة كاملة السيادة " .
نتمنى على الجهات الدولية الفاعلة ، بما فيها الاتحاد الأوروبي ، و الامم المتحدة التحرك بسرعة في تطوير حوار جدة و تقوم بتشكيل حكومة ائتلاف وطني مؤقتة تشمل كل المكونات السياسية الجنوبية . توحيد القوات المسلحة الجنوبية ووضعها مؤقتا تحت اشراف الامم المتحدة . اخراج قوى التحالف العربي ، بالذات السعودية و الإماراتية . منع اعطاء أي حصانه و تشكيل لجان مساءلة و ملاحقة ناهبي ثروات الشعب ، قبل ان تخرج الجماهير الى الشارع . ووضع معاهدة عدم الاعتداء مع كل دول الجوار . اضافة الى ذلك تحويل التصعيد الهش بين المملكة العربية السعودية وانصار الله إلى اتفاق ينتج عنه في نهاية المطاف وقف لإطلاق النار و البدء بالمفاوضات بين المملكة العربية السعودية و جماعة أنصار الله تحت اشراف الأمم المتحدة تنتهي بمعاهدة سلام بين الطرفين .
كاتب و محلل سياسي يمني