عاصف الخالدي يكتب:

الإمارات والتخريب الإخواني.. آخر الدواء الكيّ

بعد أحداث "الربيع العربي" أخذت تتكشف ملامح مخططات حركة الإخوان المسلمين ضد دولٍ عربية التي تسعى من خلالها إلى فرضِ رؤيةٍ شموليةٍ للحكم تهدف إلى تقويضِ الأنظمة المدنية القائمة فيها، وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة، واحدةً من الدول التي واجهت الجماعة، وعملت على إيقاف مخططاتها بعد أن أخذت تستغل تسامح الدولة معها، في السعي لنشر الفوضى.


جمعية "الإصلاح والتوجيه الاجتماعي"


تاريخياً، وبعد عودة عددٍ من الطلاب الإماراتيين من الدراسة في الخارج، قرر هؤلاء عمل نموذج مشابهٍ لجماعة الإخوان، وهو ما حصل بالفعل العام 1974 بتأسيس جمعية "الإصلاح والتوجيه الاجتماعي" التي تمددت فترة السبعينيات في المؤسسة التعليمية الإماراتية؛ حيث تدخلَ أفراد منها في نظام التعليم من باب فتاوى التحليل والتحريم، كما أطلقت الجمعية مجلتها "الإصلاح" وهاجمت من خلالها المنتمين لأفكارٍ سياسيةٍ أخرى، وروّجت لأفكار متطرفة تتناقض وطبيعة التسامح الديني في المجتمع الإماراتي، وشجعت أعضاءها على تولي مناصب حكومية لتوسيع دوائر نفوذها.

 تغلغل الإخوان في النظام التعليمي الإماراتي بعد منتصف السبعينيات محاولين توجيه المجتمع نحو التطرف

وبمرور 21 عاماً على تأسيس الجمعية، تعرّضت إلى الإيقاف وتجميد نشاطاتها بفعلِ علاقاتها التنظيمية مع جماعة الإخوان وبعض الجماعات الإسلامية المتطرفة في الخارج؛ ففي العام 1994، تم حلّ مجلسِ إدارةِ الجمعية وتوكيل وزارة الشؤون الاجتماعية الإماراتية بتصريفِ شؤونها بعد شكوى مصرية بشأنِ دعمِ الجمعية مالياً لأعمالٍ إرهابية قامت بها جماعة الجهاد المصرية المسلحة في مصر، كما ورد في بحثٍ بعنوان "الإخوان في الإمارات"، نشره مركزُ المسبار للبحوث بتاريخ 16 أيلول (سبتمبر) 2013.


جزاء الإحسان..


وبعد العام 1994، بدأت شكوك الحكومة الإماراتية تحومُ حول الجماعة؛ حيث كانت فيما سبق تتعامل معها بصورة متسامحة وتسمح لها بممارسة نشاطاتها الدعوية والتثقيفية في المجتمع، إلا أنّ العام 2004 شهدَ إعادة فتح ملفِ تورط الجمعية في دعم أعمالِ عنفٍ على الأراضي المصرية وتشكيل لجنة تحقيق أسفر تقريرها عن تأكيد تورط الجمعية في دعم جماعات متطرفة في مصر.
وُجّهت لإخوان الإمارات العام 2001 تهمٌ من قِبَلِ أجهزةِ الأمن الإماراتية بتأسيسِ تنظيم عسكري، وهو ما أشارَ إليه تقرير نشره مركز الإمارات للدراسات والإعلام العام 2006، ودعا المركز فيه إخوان الإمارات لترك "دورهم الأمني وجعلهِ مقتصراً على الدعوةِ الإسلامية المتسامحة فقط"، وهو ما حاولت الحكومة آنذاك "علاجه بالحوار"، وفقاً للتقرير. 

 روّجت جمعية "الإصلاح" لأفكار متطرفة تتناقض وطبيعة التسامح الديني في المجتمع الإماراتي

العام 2006، شهد بدايةَ القطيعة الفعلية بين جماعة الإخوان وبين الحكومةِ الإماراتية بفعل تدخلاتهم التي لم تتوقف في النظام التعليمي، بحسب البحث، وعدم تقديمهم إجاباتٍ واضحة حول علاقاتهم بإخوان الخارج ونشاطاتهم في التحريض على "أعمالِ عنفٍ تحت مظلة الجهاد داخل الإمارات"، إضافةً إلى تطبيقهم لنظام بيعة الولاءِ للمرشد العام في التنظيم الدولي، والتي تحتّم عليهم الطاعة العمياء لأوامر المرشد ولمصالح الجماعة المقدمة على المصالح الوطنية الإماراتية.


وعلى الرغم من أنّ الحكومة الإماراتية تستند إلى الحفاظ على القيم التراثية والإسلامية في ظلّ مجتمعٍ إماراتي متجانس، كما تسعى للانفتاح والتقدم وتسمح للديانات بالتعايشِ على أرضها بحرية، إلا أنه ومنذ بداية "الربيع العربي"، عاد إخوان الإمارات لنشاطاتهم المشبوهة بكل وضوح، بما يهدد وحدة النسيج الاجتماعي للدولة ولروح التسامح الديني التي يتعايش فيها جميع السكان من مواطنين ومقيمين من شتى الأديان والأعراق.


تنظيم سري للاستيلاء على السلطة


وخلال العام 2012، أوقفت السلطات الإماراتية 60 شخصاً من المنتمين للجماعة، والذين اعترفوا أنّهم أسسوا تنظيماً سرياً يهدف إلى "الاستيلاء على السلطة وإنشاء دولةٍ دينية" حسبما ورد في تقريرٍ نشره موقع صحيفة الإمارات اليوم بتاريخ 20 أيلول (سبتمبر) 2012؛ إذ ذكر التقرير أيضاً أنّهم "اعترفوا بتنسيقهم مع إخوان الخارج مستغلين موجة "الربيع العربي".


الجماعة في الإمارات، ادّعت أنّ تهمة تأسيس تنظيم سري في الإمارات تم تلفيقها من قِبَلِ الأجهزة الأمنية الإماراتية، إلا أنّ اعتقال خليةٍ إرهابية بالتعاون مع المملكة العربية السعودية في كانون الأول (ديسمبر) 2012، والتي اعتقل أحد أفرادها في الأراضي السعودية وكُشِفَ عن انتمائه لجمعية الإصلاح، جعل الجماعة في موقفٍ حرج كما أشار موقع "المجلة الإلكتروني" في مقالته المنشورة بتاريخ 10 شباط (فبراير) 2013 والتي تناولت تفاصيل اعتقال الخلية.

 

السويدي يكشف المستور

الخط التاريخي للتحول المخطط له من قبل جمعية الإصلاح في الإمارات من جمعية دعوية وتثقيفية إلى جماعةٍ ترتبط بالخارج وتحاول زعزعة البلاد من خلال مخططات إرهابية خصوصاً بعد "الربيع العربي"، تم كشفه بجلاءٍ بعد اعتقال قيادات الإخوان البارزين في الإمارات العام 2015، ومنهم؛ عبد الرحمن السويدي، الذي تحدث عن دورِ الإخوان "التخريبي" خلال مقابلة أجرتها معه قناة أبو ظبي الإماراتية بتاريخ 14 تموز (يوليو) 2017.

السويدي، "كشف حقائق عديدة حول تجربته في التعاون مع دولة قطر لدعم الإرهاب وتهديد السلم في دولة الإمارات العربية"؛ حيث أشارَ خلال المقابلة إلى: "تلقيه دعوةً لتركيا من قبل أعضاء التنظيم الهاربين من الإمارات للمشاركة في ندوات حول كيفية استخدام المنابر الإعلامية لتشويه صورة دولة الإمارات العربية".

شهد العام 2006 بداية القطيعة الفعلية الإماراتية مع الإخوان بفعل تدخلاتهم التي لم تتوقف في النظام التعليمي

وأضاف السويدي خلال اللقاء أنّه انتمى منذ شبابه إلى التنظيم وتلقى تعليمات من جمعية الإصلاح للعمل على دراسة "الوسائل الممكنة لزعزعة الأمن في البلاد"، كما أنّه أقرَّ خلال اللقاء بخضوعهِ لـ"دورة تدريبية جرت وقائعها في إمارة دبي العام 2010 بإشراف محمد مختار الشنقيطي أحد العاملين في قناة الجزيرة؛ إذ هدفت تلك الدورة إلى تعليم أعضاء التنظيم السري كيفية تأليب الرأي العام وصنع الاضطرابات".

وتحدث السويدي عن استغلال "دولة قطر للربيع العربي في توظيف جماعة الإخوان للضغط على دولٍ عربية مختلفة والعبث بأمنها الداخلي".

 في العام 2012 أوقفت السلطات الإماراتية 60 منتمياً للجماعة اعترفوا أنّهم أسّسوا تنظيماً سرياً يهدف إلى الاستيلاء على السلطة

وبصورةٍ عامة، العلاقة بين التنظيم السري لجماعةِ الإخوان ودولة الإمارات العربية المتحدة، بدأت بترك الدولةِ مساحةً حرةً للجزء المعلنِ من الحركة بجانبيه الدعوي والتثقيفي، إلا أنّ نزوع الجزءِ السري من التنظيم بعد تغلغله في النظام التعليمي والاقتصادي والديني للدولةِ إلى التحريض على التكفير والعنف، جعل الإمارات تلجأ إلى الحوار مع الحركة حتى نهايات تسعينيات القرن الماضي.
وبعد تفجيراتِ أيلول (سبتمبر) 2001 وورود أسماء مواطنين إماراتيين في التفجيرات، وكشفِ العديد من مخططاتِ التنظيم السري للإخوان كما ورد في هذا التقرير، اتخذت الحكومة نهجاً إصلاحياً تجاههم، إلا أنّ ارتباطهم بالخارج، وصعودهم على موجةِ "الربيع العربي"، جعل مواجهتهم أمنياً أمراً لا بد منه، خصوصاً أنّهم وكما اعترف أعضاء التنظيم كالسويدي "يتعاونون مع دولٍ أخرى كدولة قطر"، على هدم الاستقرار في البلاد.