حميد طولست يكتب:
"الوحدة ونص" اللبنانية ، تفتح أبواب الحلم والأمل!
ليس المفاجئ في الانتفاضة التي اجتاحت كل ارجاء لبنان وملأت سمع وبصر العالم كله ، عقب إعلان الحكومة فرض ضرائب جديدة ، هو حجم المشاركة الشعبية العارمة وغير المسبوقة ، وليس هو زخم الشعارات المبتكرة المرفوعة خلالها ، وليس هو سرعة تطور المطالب وتغيرها من إلغاء الضرائب إلى المطالبة باستقالة الحكومة وإسقاط النظام وإنهاء المحاصصة الطائفية ، بل المفاجئ حقا في هذه الإنتفاضة التي حيرت المراقب المتابع لأحداثها ، وأتعبت المحلل السياسي في إدراك مكانيزماتها ، ومسايرة تطوراتها وإخضاع متغيراتها ومستجداتها للدراسة والتحليل والتنظير والتوقع ، رغم ما توفره له علم النفس الاجتماعي والسوسيولوجيا السياسية والانتروبولوجيا السياسية ، من أدوات ووسائل معرفية ومنهجية لتحليل مثل هذه الظاهرة الإحتجاجية الفريدة ، محليا وعربيا، في التعبير عما يعتمل بدواخل اللبنانيينن الغاضبين من سوء الأوضاع المعيشية، وتردي الإقتصاد وانتشار الفساد، بلغات الحب والرقي والجمال والبهجة والاناقة والرشاقة والحيوية والفنية والمهارة في اضفاء الانس والألفة على مكان تواجدهم ، ونشر الفرح والمتعة وعذوبة الاحتجاجات التي قلما عرفتها اجتجاجات غيرها من البلدان ، التي لم ترق فيها لمثل نكهة احتجاجات اللبنانيين الراقية التي فاقت كل احتجاجات تونس وطرابلس ودمشق وبغداد مرورا بالقاهرة وصنعاء والجزائر ، في جميع احوالها، كما يشهد بذلك القاصي والداني..
كيف لا وتلك هي لبنان ، أيقونة الرقة والجمال والعلم والثقافة والاتيكيت، اقليميا وعالميا ، وذاك هو إنسانها المشهود له لمعروف بعشق الحياة المترفة بالهمة والذكاء والوعي والثقافة ، المفعمة بالهمة المتدفقة بالحيوية والنشاط المتألق الراقي ، نعم ، كيف لا يبتكر هذا الشعب المعروف بالانفتاح والحنكة والقدرة على الريادة والابداع ، الوقفات والمسيرات الاحتجاجية المتميزة ، ويبدع الشعارات المتفردة وتسلك جماهيره الشعبية الغاضبة -على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم- أساليب خاصة للتعبير عن غضبها بما فيها نجومه ومشاهيره الفنية والثقافية ، الذين لم تقتصر مشاركتهم على ترديد المتظاهرين لبعض أغانيهم الوطنية ، وينزل عدد كبير منها للمشاركة الفعلية ، كما كما هو الشأن بمارسيل خليفة ورامي عياش ووائل جسار، لإسماع الحكومات الفاشلة - على نغمة "الوحدة ونص" - ما لم تسمعه من قصائد جبران وروائع مارسيل خليفة وفيروز ومواويل صباح ووديع الصافي ، وأغاني عاصي الحلاني ، وأناشيد الشيخ إمام ..
لاشك أن احتجاج اللبنانية على الفساد وسوء الأوضاع المعيشية والتنديد بتردي الإقتصاد ، بهذا الشكل وهذه النكهة ، لهو برهان ساطع على عدم صلاحية المقولة الشهيرة :" الكراهية هي الوقود الأساسي لجمع الحشود والأتباع " ودليل قاطع على أن الحب والصداقة والاحترام يحشد ويوحد الغاضبين أكثر من شعارات الكراهية ، وتعد لهم ولائم الحلم والحق في الأمل والتغيير ..