هاني مسهور يكتب:

ويسألونك عن الإمارات..

يتزامن نشر هذا المقال مع مناسبة يوم (العَلم) في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي تحتفل به الدولة بعلمها الوطني تأكيداً على القيم والمبادئ التي نشأت عليها الإمارات، التي ظهرت بوضوح في دورها في اليمن وتحديداً في عدن، حيث نجحت في تحرير المدينة، واستكملت تأمين واحدة من العواصم العربية وحصنتها من بواعث الإرهاب، وفي هذا السياق يتساءلون: ماذا عن الإمارات؟ وما أنجزت في سنوات العاصفة؟
ومع الحديث عن القيم والمبادئ التي تجسدها القيادة السياسية لدولة الإمارات، فإن ما خاضته الإمارات على كافة المستويات، العسكرية والإنسانية والإعلامية، منذ إعلان مشاركتها في «عاصفة الحزم» استجابة للدعوة السعودية وتلبية لنداء الشرعية اليمنية، يجسد واحدة من أعمق قيم الإمارات والتزامها نحو الأمن القومي العربي، فالمسألة هنا ليست شعارات تذاع في المناسبات بمقدار أنها واحدة من القيم الأصيلة التي تأسست عليها كيان الاتحاد، وإنْ كانت قد تمثلت في مواقف متعددة من حرب أكتوبر 1973 والموقف مع الكويت في 1990.


الأمن القومي العربي الذي اهتز على نحو غير مسبوق منذ نهاية 2010 ومحاولة صعود الإسلام السياسي على موجة ما يفترض أنه التغيير تصدعت معه أركان دول عربية متعددة، وبلغ التهديد أقصاه في مملكة البحرين، مما استدعى أن تتقدم السعودية بخطوات لحماية أركان أساسية باتت مهددات فعلية للكيانات العربية، ولم تختار السعودية المواجهة ولكنها فُرضت عليها، كما لم يكن أمام الإمارات سوى أن تنحاز لإسناد السعوديين وتقديم الدعم المطلق في معركة المصير الواحد.
تهديد الحدود الجنوبية للسعودية من قبل «الحوثيين» استوجب العودة لمحددات الأمن القومي العربي من جانب القيادة السياسية الإماراتية فخاضت مع السعودية الحرب، وتقاسمت معها المهام، وتكفلت الإمارات بمسؤولياتها التي بدأت بأول عملية إنزال عسكري في عدن عندما كانت المقاومة الجنوبية تخوض معارك غير متوازنة مع مليشيات «الحوثي»، وبعد أربعة أشهر من التحضيرات العسكرية وتجهيز الميدان العسكري بدأت الإمارات تستعد للمرحلة الأهم.
«السهم الذهبي» أول اختبار حقيقي للقوات المسلحة الإماراتية، والمعركة العربية الثانية بعد عبور الجيش المصري قناة السويس في 1973، فكانت عدن محطة تاريخية لملحمة إماراتية خالصة عرفت تكتيكاً عسكرياً اعتمد على إنزال بحري في ثلاثة محاور رئيسية، وتقدم باتجاه مطار عدن من أربعة محاور لتشكل طوقاً نارياً استطاع تمهيد الأرض لتحرير المطار، بالتزامن مع تحرير كافة مديريات عدن، بالاعتماد على المقاومة الجنوبية من داخل المديريات التي عملت على نقل المعارك إلى مديرية دار سعد، في استراتيجية لتأمين الأحياء السكنية وإبعاد القوات الغازية إلى أبعد نقطة عن المطار.


يوليو 2015 كان نقطة التحول الرئيسية ليس في المعركة مع «الحوثيين» فحسب، بل في اختبار مدى ما وصلت إليه سنوات التأهيل للقوات المسلحة الإماراتية، سواء في قطاع التخطيط الميداني أو التسليح، أو التعامل الميداني والاستخباراتي، وهذا ما انعكس بوضوح في قدرة القيادة الميدانية على تحرير محافظات الضالع ولحج وأبين بتوفير القدر الممكن من الغطاء الناري لتوسع قوات المقاومة الجنوبية، التي استطاعت حتى نهاية نوفمبر من العام 2015 من إكمال عملية طرد القوات الغازية من أربع محافظات جنوبية.
ومع سقوط كافة المؤسسات الأمنية والعسكرية في عدن والمحافظات الجنوبية ظهر تحدٍ آخر عندما استغلت العناصر الإرهابية التابعة لتنظيم «داعش» من أن تفرض وجودها وإعلانها إقامة ما أطلق عليه (ولاية عدن) كذلك حدث ذات الأمر في محافظة أبين التي تقاسمها تنظيم «داعش» و«أنصار الشريعة» الموالية لتنظيم «القاعدة في جزيرة العرب»، مما فرض واقعاً أمنياً مُعقداً للغاية تطلب تدخلاً إماراتياً مختلفاً.
وفيما كانت القوات المسلحة الإماراتية تنطلق في عملية تحرير المكلا (أبريل 2016) بعد تأهيل قوات النخبة الحضرمية باقتحام المدينة الساحلية المكتظة بالسكان من ثلاثة منافذ وإجبار عناصر تنظيم «القاعدة» الإرهابي للخروج من المدينة عبر الوديان الداخلية، كان التحدي الأصعب الذي واجهته القوة الإماراتية المتخصصة في مكافحة الإرهاب يتمثل في تأمين الخزانات النفطية في ميناء الضبة (شرق المكلا)، والذي كانت «القاعدة» قد عملت على تفخيخه مما استدعى تعاملاً أمنياً عالي الدقة، انتهى بتحرير أكثر من 300 كلم من ساحل حضرموت.
ما أنجز في المكلا انعكس في عدن بشهرين فقط بعدما تم تشكيل قوات «الحزام الأمني»، التي أوكلت إليها مهمة مكافحة الإرهاب وتطهير محافظات عدن ولحج وأبين من التنظيمات الإرهابية، وهنا أظهرت القوات المسلحة الإماراتية ديناميكية في قدرتها على التعاطي مع متغيرات الميدان وتحولات الواقع وفرض أسلوب الانتقال من الأعمال القتالية، إلى استخدام أساليب مكافحة الإرهاب مع التزام بكافة القوانين والتشريعات، بما فيها الاستناد إلى القرارات الرئاسية اليمنية التي سوغت إنشاء هذه الأجهزة العسكرية والأمنية التي وصلت لمستويات جيدة من التأهيل في تحقيق الانتصارات واستعادة المدن من المخاطر المهددة لها.
هذا جزء مما قامت به الإمارات في مهمتها العسكرية في عدن، يُضاف إلى ذلك الجهد المقدم من خلال الدعم والإسناد الإنساني الذي رافق الجهد العسكري، فمن الإغاثة الإنسانية إلى البنية التحتية لمشاريع الصحة والتعليم والكهرباء والمياه والطرق، هذه هي القيم والمبادئ التي جسدتها الإمارات كدولة وشعب في الانحياز لمتطلبات الأمن القومي العربي، فإنْ سألوك عن الإمارات.. فقل إنها ذات فعل عظيم.

*البيان الإماراتية