نجيب يابلي يكتب:
عصم الله قلبك بالصبر يا عدن
ما الذي جنته هذه المدينة الطيبة غير إحسانها لكل من وفد عليها منذ فجر التاريخ وقد خصها بذلك "التوراة" أول كتاب سماوي وذكرها بكل الخير الرومان والاغريق وذكرها الرحالة الشرقيون والغربيون ولا يفوتنا الاشارة الى شهادة الرحالة العربي "ابن بطوطة" قبل 700 عام ..
هذه المدينة أخذت حق الريادة في كل شيء على مستوى الجزيرة والخليج بل وحظيت بنصيب من الحديث النبوي إلا أنها بليت في التاريخ الحديث وتحديداً منذ النصف الأول من ستينات القرن الماضي وحتى اليوم ذلك أن كل منعطف في واقعها السياسي كانت هناك قوة استخبارية بدءاً ما الكفاح المسلح الذي فرضته ذرعته المخابرات المصرية بإعلان الكفاح المسلح في مدينة صغيرة لا تتحمل تبعاته واخرجت عدن من واقعها المدني والاقتصادي والسياسي وعززت الأخير صناديق الاقتراع وبرلمان (المجلس التشريعي) ومجلس بلدي وصحافة عامة ومتخصصة (يومية واسبوعية وشهرية) ..
كانت عدن حاضنة للجنوب والشمال ومن دخلها جائعاً شبع ومن دخلها عارياً اكتسى ومن دخلها خائفاً أمن ومن دخلها جاهلاً تفقه وهي فضائل تميزت بها عن سائر مدن الجزيرة والخليج وتصدرت مدن المنطقة في التعبير عن القضايا المحلية والقومية والاسلامية ..
عندما تجردت المدينة من مظهرها المدني وحل محله حمل السلاح بدلاً من حمل العصا والمصارعة (المضرابة وفن استخدام العصا) وكانت بذلك مظهراً من مظاهر الرجولة التي توارت وحل محلها سلاح الجبناء الرعاديد (السلاح الناري) وانكفأ الصناديد ..
اخرط أبناء عدن في صفوف العمل الفدائي ومنهم من التحق بصفوف الجبهة القومية في التحق غالبيتهم في صفوف جبهة التحرير والتنظيم الشعبي للقوى الثورية (فرق النجدة ، سند والرسول والنصر وصلاح الدين) ودخل الوضع السياسي والعسكري منعطفاً حاداً عندما اعترفت قيادة الجيش الاتحادي بالجبهة القومية (ملعوب استخباري بريطاني) وذلك يوم 6 نوفمبر 1967م وهو أخطر وأقذر يوم في تاريخ عدن ، ذلك أن الجيش الاتحادي نزل الى الشارع وقاتل خصوم الجبهة القومية (حق اريد به باطل) وسقط عشرات القتلى والجرحى ونزح الالاف الى تعز وتم الزج بالآلاف في المعتقلات وضاقت معتقلات عدن وفتحت المعتقلات في أبين ولحج والضالع .
منذ 6 نوفمبر 1967م وحتى اليوم جردت عدن من كل شيء ولم تشهد العافية حتى اليوم واصبحت ولا تزال تدفع الضريبة فادحة وبتعبير بسيط "داخلة في الخسارة وخارجة من الفائدة" وشهدت عدن النزوح التاريخي الواسع النطاق لأبنائها بحجة انهم هنود وصومال وجبالية وأنهم حين آخر من قوى الثورة المضادة وغير مواكبة للثورة الا ان ارحم الراحمين كان لهم بالمرصاد ..
دخلت المناطق الجنوبية نفق 22 مايو 1990م المظلم ولم تخرج من ذلك النفق بل خرجت من نفق لتدخل نفقاً اخر وها نحن في النفق الحالي الذي دفعت وتدفع عدن وابناؤها الضريبة خادمة ..
نازحون ووافدون بالآلاف وفدوا ويفدون إلى عدن .. دراجات نارية تفد إلى عدن .. اراضي عدن استبيحت .. السلام والأمن الاجتماعيان ينتقلان من السيء الى الاسوأ ..