عمر علي البدوي يكتب:

اتفاق الرياض يحقن الدماء ويؤسس لمرحلة جديدة

مجددا، يتصدى التحالف العربي لرأب صدع الواقع اليمني عبر اتفاق تاريخي انتظم طرفاه في الرياض وبشهادة أقطاب التحالف وحضور جمع من الدبلوماسيين والسياسيين ممن لهم صلة واهتمام بالشأن اليمني. وتثبت الرياض وأبوظبي اللتان تمثلتا بقيادتيهما، إرادة الخير لليمن رغم ما لحقهما من الإساءات والتعديات التي تبنتها أطراف يمنية كانت تحتكم إلى حساباتها الضيقة وانتماءاتها الأيديولوجية دون أن تأبه إلى مصلحة اليمن ولا مستقبله.

من الحوار إلى الاتفاق هي المسافة الفاصلة بين مدينتي جدة والرياض، وهما تحتضنان فعاليات هذا التلاحم والوئام اليمني، متعاليتين على الخصومة التي كادت تشق الصف وتدمي التراب اليمني وتعطل المواجهة الأصلية ضد ميليشيات الحوثي ومشروعه للانفراد بالبلاد.

كاد هذا الانشقاق أن يودي بمشروع تحرير اليمن من قبضة الميليشيا واستعادة الشرعية وصون كيان الدولة إلى مزالق المستقبل المظلم والأفق المسدود، لولا مبادرة قيادة التحالف العربي لاستدراك الموقف وتلافي المشكلة، لاسيما وأنها تملك ثقة الأطراف وبنواياها الصافية الطيبة تجاه يمن سعيد موحد يواجه مقوّضي أمنه واستقراره وازدهاره.

أرادت أبواق الفتنة التي ترصّدت لمشروع التحالف في اليمن أن تغرز كل نقيصة بنواياه وخطواته أن تفتّ في عضد أطرافه، وصبّت جام غضبها ونقمتها على دولة الإمارات أكثر من غيرها. ونالت من تضحياتها التي بذلتها في سبيل تحرير اليمن واستعادة شرعيته. وساقت لها الاتهامات جزافا، مقترفة كل الأباطيل والأضاليل للوقيعة بين الإمارات والشارع اليمني.

لكن، وعلى مرأى من أنظار العالم المنصبة نحو طاولة التوقيع على اتفاق حقن الدماء وتأمين الخروج السالم، نوّه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في كلمته خلال المناسبة بتضحيات الإمارات الجليلة في ساحة الشرف باليمن.

سيبقى على الأطراف الموقعة والمشاركة واجب الوفاء بمرحلة تنفيذ الاتفاق، والتي لن تكون سهلة وميسرة في ظل القوى المتربصة، التي كان وقع صورة قيادات السعودية والإمارات واليمن ملتئمة في مناسبة التوقيع قاسيا ومبددا لآمالها الفاسدة بتقويض بنيان التحالف العربي وتشرذم اليمنيين وانكسار عزيمتهم في مواجهة المارق الحوثي.

وسيكون لنجاح تنفيذ الاتفاق دور في التأسيس لمرحلة جديدة تساعد على انتشال الشعب اليمني مما يعانيه ويقاسيه من التشرذم والتفكك، عبر حكومة تكنوقراط مدنية ستلقى دعما مطلقا من التحالف العربي، على أمل أن تضع هذه الحكومة، على رأس أجندتها، التعليم والصحة ومكافحة الأوبئة وتمكين المرأة، وأن يكون ذلك بذات درجة الأهمية التي ستُمنح لاقتلاع الحوثية ومكافحة الفساد وتفعيل العمل المؤسسي.

والاتفاق خطوة هامة تجاه الوصول إلى حل سياسي شامل في اليمن. وسيشكل بداية صحيحة لرص الصفوف وتجاوز الخلافات والمساهمة في بناء اليمن الاتحادي الذي يشكل حلما وأملا وتطلعا لدى كل اليمنيين.

المسألة الجنوبية أصبحت الآن محل تقدير واهتمام، حدث هذا بطريقة حضارية وشرعية بفضل اتفاق الرياض، الذي وفّر لها مظلة آمنة لا تبخس صاحب حق ولا تورد اليمن في مزالق الصدام العبثي، بعد أن فجّرت جماعة الحوثي مشروع الحل في اليمن من الداخل، وخلطت أوراق الحوار الوطني الذي استجاب لكل المطالب ولبّى كل الرغبات قبل أن ينقض عليها الحوثيون، الأمر الذي دعا لقيام تحالف عربي تقوده السعودية يعيد الأمور إلى نصابها ويمهّد الطريق لليمنيين للمضي قدماً نحو مستقبلهم الذي رسمته المرجعيات الثلاث قبل أن يتدخل المشروع الإيراني الخبيث وينشر الدمار والإرهاب ويعطل كل مظاهر الحياة السياسية والتنموية في اليمن.