هيلة المشوح تكتب:

«اتفاق الرياض» التاريخي

في عام 1989 تم في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية توقيع اتفاق سمي باسمها (اتفاق الطائف)، إيذاناً بنهاية الحرب الأهلية في لبنان، وقد جرى توقيعه برعاية الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، وبحضور ستين نائباً برلمانياً لبنانياً. ومثّل الاتفاق وثيقةً ملزمةً لجميع الأطراف بوقف رحى حرب أهلية استمرت 15 عاماً، فأنهكت وطناً، وجعلته أطلالاً ودمرت اقتصاده، لكن جاء «اتفاق الطائف» حاسماً وتاريخياً إذ أعاد الهدوء والاستقرار إلى لبنان.
وها هو التاريخ يعيد نفسه لصالح بلد عربي آخر، ففي يوم الثلاثاء الماضي (5 نوفمبر 2019) تم في الرياض توقيع أهم اتفاق عربي في الآونة الأخيرة، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو اتفاق لا يقل في أهميته عن «اتفاق الطائف» اللبناني، بين الحكومة اليمنية الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي، وذلك بفضل جهود سعودية إماراتية مثّلها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير دفاع المملكة العربية السعودية، في مراسم مهيبة وضع خلالها اليمنيون توقيعهم على «اتفاق الرياض» التاريخي.
وقد جاء اتفاق الرياض محملاً بآمال اليمنيين في أن يكون بادرة سلام وبداية تأسيس لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة مع «تحالف دعم الشرعية»، وتضافر الجهود وتوحيد الصفوف لمواجهة الانقلاب الحوثي، واستئناف جهود التنمية والبناء في المحافظات المحررة بجنوب اليمن، ورفع المعاناة عن الشعب اليمني، وكبح ميليشيات الحوثي وتحجيمها. وسيكون من شأن هذا الاتفاق أن يوحد جهود اليمنيين أنفسهم، شعباً وحكومة، لمواجهة انقلاب الميليشيات الحوثية، وحل الخلاف بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة الشرعية، مع إحياء دور عدن عاصمة مؤقتة للبلاد، والشروع في جعلها مقراً لجميع أجهزة الدولة اليمنية.
لقد نص اتفاق الرياض التاريخي، أول أمس الثلاثاء، على عدة بنود ضامنة لاستقرار اليمن، أهمها عودة الحكومة الشرعية إلى عدن في غضون 7 أيام، وتوحيد كافة التشكيلات العسكرية تحت سلطة وزارتي الداخلية والدفاع، وتشكيل حكومة كفاءات بالمناصفة بين شمال اليمن وجنوبه (كما ورد في نص الاتفاق)، فضلاً عن بنود أخرى ضامنة لاستقرار اليمن وأمنه على رأسها الالتزام بحقوق المواطنة الكاملة، وبنبذ التمييز المذهبي، وبوقف الحملات الإعلامية المسيئة، وبتوحيد الجهود تحت قيادة التحالف لإنهاء انقلاب الحوثي، وبمواجهة تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وكلها بنود في غاية الأهمية.
في عالم يتلاطم بالمصالح والاحترابات تتجلى مكانة المملكة العربية السعودية، ودورها الرائد في محيطها الإقليمي والعربي كصمام أمان لاستقرار المنطقة العربية، فكان اتفاق الرياض امتداداً لهذا الدور التاريخي الذي تطلع به المملكة وتحمله على عاتقها منذ تأسيسها حتى اليوم. لقد كان اتفاق أول أمس الثلاثاء اتفاقاً خالصاً لمصلحة اليمن واستقرار وراحة شعبه وتآلف مكوناته، فهو اتفاق يكرس هو أيضاً بدوره وحدة المصير وإرادة البناء، انطلاقاً من عاصمة الحزم، على طريق الشراكة مع السند والعضد في الرخاء والشدة.. رفيق السلم والحرب دولة الإمارات العربية المتحدة، ممثلة بصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حفظه الله.