مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

الحل السياسي في اليمن مرتبط بدستور متفق عليه

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس متفائل للغاية من  إن السلطات السورية والمعارضة  اخيرا تمكنت من الاتفاق على إنشاء "لجنة دستورية متوازنة وذات مصداقية وشاملة" تعمل من خلال وساطة الأمم المتحدة ، إذ أعدت المعارضة السورية بكل اطيافها مسودة دستور الخاص بها  بناءً على تقييم ودراسة للدساتير السابقة والتجارب الأجنبية  ، لأنها تدرك أن الدستور وثيقة سياسية وقانونية اساسية ويجب أن يكون للدستور اولوية في  أي  مفاوضات و إجماع بين اوساط النخبة والمواطنين  ، الجميل أن الكل يفكر في العملية السياسية برمتها  التي  الدستور  جزءًا مهم جدا  منها وقد شكلت لذلك  اللجنة الدستورية السورية من ثلاثة أجزاء  سورية متساوية من المعارضة والحكومة والمجتمع المدني ، والاجمل أن  السوريين وحدهم هم الذين سيكتبون دستور البلاد دون اي مشاركة اجنبية ، لأن كل الأطراف في سوريا  تعبت  من الحرب ، اما في الازمة اليمنية  فللأسف موقع هذه الوثيقة الهامة من النقاشات الدائرة دون المستوى والمفاوضات  حول اليمن  لا تخرج عن نطاق الحرب والسلم اما الحديث ولو بالتلميح عن شيء اسمة الدستور فهذا بالنسبة للنخبة مضيعة للوقت مثله مثل الانتخابات اليمنية  التي تعتبر مجرد محاكاة داخلية ساخرة ، لان حلول جميع مشاكل الدولة والمواطن في اليمن  بالنسبة لقناعات هذه النخبة لابد ان تستمد من عقلية الشيوخ واعراف  القبيلة من تهجير الاثوار والسلاح والفدية .

الحرب الأهلية في اليمن  والمواجهات والانقسامات  بين النخب في الحياة السياسية  و في البرلمان واحد من  اسبابها الرئيسية ، يعود الى  عيب في دستور اليمن الذي تم تبنيه منذ  28 عامًا ، فمن الواضح أن عيوب الدستور كانت  حجر الزاوية في مشاكل البلاد وجلبت الخراب والدمار للمواطن والدولة ، فلم  يأخذ واضعوا دستور عام 1990  في الاعتبار منذ البداية  الخصوصية التاريخية للعيش ضمن حدود دولة واحدة لمجتمعين  مختلفين في  السمات الثقافية و الوطنية للشطرين وقضايا ما يسمى بالحكم  المحلي وتحسين العلاقات بين المركز والمحافظات ، ولقد اثبتت فترة حكم الرئيس عفاش أن الدستور اليمني كان مجرد ديكور لنظام سياسي هجين بين اعراف القبيلة وشيوخها  والدستوري الرئاسي  الشكلي  ، لأن رئيس الدولة  وشيخ القبيلة كان لهما تأثير متساوٍ تقريبًا على تشكيل الحكومة ومنافسة جدية داخل الحكومة و في حالة معارضة مستمرة  والمشرعين مقترحاتهم لا تؤخذ بعين الاعتبار بسبب ضعف هيبة البرلمان وانقسام غالبية الاعضاء بين مع الرئيس واخرين مع الشيخ.

خضع دستور اليمن  لعدة تعديلات  لم تراعي اختلاف التوجهات الفكرية والسياسية السابقة  بين الشطرين واهم هذه التعديلات التي اضرت بمسار البلاد والعباد  كانت في1994    التي دشنت طمس الهوية الجنوبية ارضا وشعب وأكدت هوية البلاد السياسية والفكرية بالطابع الشمالي القبلي ، ومن ثم لحقتها تعديلات  2001 لتمديد فترة رئيس الجمهورية " وعائلته " إلى سبع سنوات وتمديد فترة مجلس النواب "الدائمين " إلى 6 سنوات  وزيادة وتوسيع سلطة مجلس الشورى " المتقاعدين " وجميعها مؤسسات دولة تضم غالبية شيوخ قبائل الهضبة ونخبتها  السياسية ، اما التمثيل الجنوبي بعد حرب 1994 في هذه المؤسسات الهامة للدولة فقد كان فخريا.

الأمانة العامة لمؤتمر الحوار الوطني  في  يناير 2015   نشرت تحت اسم (مسودة دستور اليمن الجديد)  وهي المسودة التي أعددتها لجنة صياغة الدستوراليمنية  وهللت نخبة الهضبة بكل اشكالها  بهذا الانجاز  ، بينما رفضها الجنوبيون جملة وتفصيل ، اما  الحوثي فقد كان ولايزال  يريد تفصيل دستور جديد على مقاس صعدة و اهله و جماعته وأقربائه ولهذا اشعل الحرب ضد الجنوب وبقية محافظات الشمال .
على المجلس الانتقالي الجنوبي  والشرعية اليمنية تقييم تجارب  الأنظمة السياسية ودساتيرها  في مختلف دول العالم ، بما في ذلك في اوروبا  وامريكا وأن يأخذوا بعين الاعتبار الوضع اليمني الحالي و آراء الشركاء الآخرين في المجتمع على طريقة المفاوضات السورية ، والسؤال هو متى تعطي الامم المتحدة اليمن ايضا اهتمامها  للجانب الدستوري اليمني ؟  وهل ستجتاز النخبة السياسية الجنوبية والشمالية بعد اتفاق الرياض  الخلافات في وجهات النظر الدستورية القديمة على ضوء المستجدات الجديدة  ؟ وهل ستأخذ في الاعتبار الأحداث الجارية في البلاد وتلبي رؤية وتطلعات  الشمال والجنوب في المستقبل طالما في الافق تلوح مرحلة انتقالية بإشراف سعودي اماراتي فيها  نشاط للسلطات الرئيسية الثلاث  دون غطاء دستوري ملائم للشعب و للموقعين على الاتفاق مع أن مسودة الدستور القادم ستحتاج لمعجزة ليوافق عليها للطرفين  .