حسام ردمان يكتب:
احتفالات مولد نبي دين وراثي عائلي.. هكذا يزعمون!!
هو احتفال بالجد المؤسس للعائلة المقدسة الذي ورّث السلطة لسلالته باختيار إلهي إلى يوم الدين.
وبهذا تكون هذه السلالة من أطول السلالات الحاكمة في التاريخ، وتكون عنصريتها من أشد العنصريات تماسكا وقدرة على تجديد نفسها.
أما سبب تجدد هذه العنصرية وانبعاثها بعد كل محاولة للقضاء عليها فهو أن أعداءها يحاربونها بنفس أفكارها، بل إن أعداءها أكثر تشددا منها في الإيمان بالأفكار العنصرية المؤسسة لصعودها!
لا يمكن فهم "الدين السياسي" الذي يحاصرنا دون استيعاب ان الإسلام كما نفهمه ونمارسه اليوم هو إسلام العصر العباسي!
وحتى لا تفهموني خطأ، فلا شك أن الإسلام كعقيدة جديدة بدأ وتشكل مع تجربة الرسول (ص) والصحابة، لكننا لا نعرف الشيء الكثير عن ملامح ذلك الإسلام وعقائده لسبب بسيط هو أن تدوين العقائد والتعاليم لم يبدأ إلا في العصر العباسي.
ففي العصر العباسي ظهرت المذاهب الكبرى التي تحكم فهمنا الديني حتى اليوم، وفيه تم تأسيس علوم الفقه والتفسير والحديث.
واتخيل لو أن أحد الصحابة المقربين عاد إلى الحياة مرة أخرى في العصر العباسي لتفاجأ أن كثيراً من العقائد والأصول والنصوص المنسوبة إلى الإسلام لم تكن معروفة في زمنه وزمن الرسول!
لقد تم تشكيل الإسلام كما نعرفه اليوم حسب احتياجات العصر العباسي.
وهذا أدى إلى سيطرة اتجاهين ما زالا يحكمان تديننا وإسلامنا حتى اليوم.
الاتجاه الأول:
تحويل الإسلام إلى دين عائلي وراثي.
وكان السبب في هذا أن الدعوة العباسية قامت وعارضت بني أمية انطلاقاً من مبدأ أحقية آل محمد وبني هاشم بالخلافة واعتبارها وراثة في نسله إلى يوم الدين.
ولأن الذي سيطر هم أبناء عمه العباس وليس أبناء على بن أبي طالب تم اختراع قاعدة "التعصيب" في الميراث التي تقول: ان العم يرث مع الأبناء والبنات، بل إنه قد يرث كل شيء إذا مات المالك وليس لديه أبناء أو بنات يرثونه، وأن العم يحجب ابن العم في الميراث!
وكان الهدف من هذه القاعدة تعميمها إلى السياسة وتبرير كيف أن العم (العباس) حجب ابن العم (علي) في الميراث (الحكم والخلافة).
وفي المقابل قال الشيعة المتعصبون لأبناء علي من فاطمة: إن البنت تحجب العم في الميراث.
وهذه القاعدة الميراثية هي كسابقتها قاعدة سياسية القصد منها أن فاطمة تحجب عمها العباس في الميراث (والمقصود بالميراث هنا الحكم والخلافة التي تنتقل بالضرورة إلى أولادها الحسن والحسين).
ورغم اختلاف العباسيين مع الطالبيين حول الحكم إلا أن كل مذاهب الإسلام سنية وشيعية أجمعت على حصر الحكم في قريش وعلى تفضيل بني هاشم على بقية فروع قريش.
وكان للشافعي الذي يعتبر بحق مؤسس الفقه الإسلامي، عبادة ومعاملات، دور كبير في تحويل حب آل البيت إلى دين، فهو وحده من أدخل الصلاة على آل البيت إلى "التشهد" وجعلها ركنا لصحة الصلاة ثم جعلها تلاميذه شرطا لصحة العقيدة!
وهكذا كان يتم تشكيل الإسلام وتشكيل الأحكام والعقائد بما يتناسب وصراعات العصر العباسي ومشاكله.
الاتجاه الثاني:
كان الشمولية وسيطرة الإسلام الفقهي المعاملاتي المتشدد.
وتم هذا بالذات في عصر المتوكل الذي كان في صراع شديد مع تيارات إسلامية كالمعتزلة والشيعة ومع أديان أخرى كالمسيحية والمانوية.
ولهذا تحالف مع أشد التيارات تعصبا وهو تيار أهل الحديث وفرض تفسيرا واحدا للإسلام هو التفسير النصوصي الذي يرى أن النص الديني أجاب على كل الأسئلة باجابة واحدة محسومة ونظم كل جوانب حياة المسلم من اللبس إلى الأكل والنظافة والسياسة والزواج والتجارة والحياة والموت.
ومنذ "الانقلاب المتوكلي" تحول الإسلام إلى ذلك الدين الصلب الاحادي المعادي لكل اختلاف وتفسير جديد.
لكي تفهموا بعض جذور ما يحدث في صنعاء اليوم، يجب أن تعرفوا جذور تحول الإسلام إلى دين وراثي عائلي وإلى دين شمولي مغلق، وما هي أسس هذا التحول وابطاله وزمنه!
ختاماً.. لا يفكر الناس في العلمانية أو في الإلحاد بسبب أفكار فولتير أو كانت أو طه حسين، وإنما بسبب أفكار وممارسات البغدادي والحوثي ونصرالله والزنداني والعديني.. فالتنوير عندنا ينتشر بقانون رد الفعل.
لقد عجز التنويريون عندنا في شرح حقيقة العلمانية، لكن في المقابل استطاع المذكورون أعلاه تبيين حقيقة الإسلام، وحقيقة المجتمع الديني والحكومة الدينية.