عمر علي البدوي يكتب:

دروس ثورتي العراق ولبنان للجماعة الحوثية

لماذا يريد الحوثيون الإصرار على البقاء حيث أوشك الآخرون على الانتهاء؟

لماذا تمعن الجماعة الانقلابية في الالتحاق بالرعاية الإيرانية والانضواء تحت مظلتها، في وقت تصحو فيه البلدان التي تضررت من تلك العباءة، التي خنقت فضاء وسماء بعض العواصم العربية، وقد أخذت الآن تنتفض وترفض هذا الدور الإيراني السلبي وتدفع ثمنا باهظا للخلاص منه ومن تبعاته الكارثية؟

لأول مرة منذ 8 أعوام، تندلع مظاهرات حازمة وشاملة ضد الفساد في العراق، تتجه بوصلتها مباشرة ودون مواربة ضد التدخل الإيراني وأتباعه وذيوله في الداخل، وقد كسرت تابوهات الخوف والتردد واليأس. ومثل ذلك يجري في لبنان، الذي بلغ بأهله البؤس حدّا لا يطاق ولا يمكن قبوله بعد اليوم.

من قلب كربلاء، حيث توهم قاسم سليماني وزبانيته، أنها أضحت تاج إمبراطوريته الجشعة المتوسعة، “هوّس” شباب حرّ بمعزوفة تقطر وطنية وعفوية وبسالة وهم يرددون “إيران برّه برّه.. كربلاء تبقى حرّة”.

وعلى وقع “كلن يعني كلن” التي صرخت بها حناجر اللبنانيين في الساحات العامة، وفي المواقع التي اعتقد “حزب الله” أنها حصن جغرافي وديموغرافي يوفر له الولاء المطلق والدعم اللامتناهي في الضاحية والنبطية وسواهما، يتعمق رفض النفوذ الإيراني وتتقوض بناه وعراه، التي أبرمها ورمى مفاتيحها في بحر ظنه السادر بتمام المهمة وإنجاز الوعد.

عاجزا، وقف حسن نصرالله في لبنان، إلا من خطابات التحايل والمراوغة بين تهديد فجّ ووعود فارغة. ومثله فعل وكلاء طهران في العملية السياسية المشلولة في العراق، أمام انتفاضة عفوية لا تنتمي إلى مرجعيات معلنة ولا أطر محددة، ترفض كل مشروع دخيل وسياسة تأتمر بالخارج، وتبحث عن وطن يلتئم في حدوده القطرية ويستجيب لحاجات أهله وينتظم في سياق المجتمع المتحضر والقانون الدولي.

الانتفاضات التي اندلعت بالأساس لمقاومة ظروف معيشية، لم تعد تطاق في هذه البلدان، وقد عانت شعوبها من أعباء حياتية غليظة، كشفت عن جحيم التدخل الإيراني، الذي يغذي وكلاءه المحليين باستراتيجية الانفراد بواقع البلدان وإقصاء المكونات الوطنية وتوريط البلاد في سلسلة من المغامرات الدموية والعبث بعلاقاته الخارجية وإثارة حنق المجتمع الدولي والإفراط في تفسيخ الهوية المحلية لصالح مشروع أممي توسعي تهجس به طهران وتنساق له الأحزاب التي تدور في فلك طهران.

إنها وصفة جاهزة تقدمها طهران لجميع من يدفع بلده للالتحاق بمشروعها الطائفي. وهو مسار حتمي للسقوط في الفوضى الشاملة. لماذا تصر الجماعة الحوثية على إقحام اليمن في هذا المنزلق الخطير، بعد أن صحا العراق ولبنان؟ ولماذا لا تتوقف عن سياساتها العبثية العمياء وتجاوب مع فرص الحل الشامل، الذي يوفر خروج البلاد من ذلك النفق المظلم؟

تحاول الجماعة الحوثية تكريس إقامة طويلة للنفوذ الإيراني في اليمن، على خطى حزب الله وسواه من منتجات طهران في الخارطة العربية، تبث دعايات مكثفة، وتعبث بالمناهج المدرسية، وتستثمر في المناسبات الدينية، مثل الاحتفال بالمولد النبوي لتحويله إلى منصات توطّن النفوذ الإيراني وتعمق مفرداته الوجدانية والمفاهيمية لتأبيد وجودها في الواقع اليمني.

لكنه وجود هشّ، ستذروه رياح أقرب انتفاضة جماعية ترفض هذا العبث، طال الوقت أم قصُر. لن يكون لإيران موطئ قدم في اليمن، وستنتفض القطاعات الشعبية ضد وكلائها الحوثيين، وستأبى الخضوع لمعاول سليماني التي تعبث بتراب اليمن وثراه.

تعيش طهران اليوم ظروفا صعبة، وتئن تحت وطأة عقوبات اقتصادية قاسية، وتواجه رفضا دوليا شاملا وانتفاضات شعبية تنتشر في جغرافيات مختلفة كانت نهبا لنفوذ إيران، وقد حان وقت رفضها.