هل ستُفهم القضية الجنوبية للعالم بعد الإعلان التاريخي؟

كم كنت أشعر بإستياء حينما أتحدث عن القضية الجنوبية في حضرة أصدقائي العرب في القاهرة، العام المنصرم، ولا أجد من يخبرني بأنه قد سمع في شأن القضية، ومايزيد من شعوري بالأسف أن من يتحدثون بكل هذا الاستغراب هم ذاتهم نخبة الشباب الثوري،والمهتم في الشأن السياسي للمنطقة .

لاتزال القضية الجنوبية نقطة استفهام كبيرة في المنطقة، لأسباب عديدة، أسبابها تتعلق بالجنوبين أنفسهم، وسوء إيصال القضية بوضوح، إضافة الى ذلك التعتيم الذي مارسه نظام الوحدة المركزي، طيلة أعوام، ولم يُفتح حاجز الصوت بشكل أكبر إلا فيما بعد الحرب، حينما وقف الخليج، والمنطقة بأكملها منبهرين ببسالة هذا الشعب الجنوبي العظيم، الذي جند شبابهِ في ظرف زمني حرج، لـ 6 أشهر في ظل حرب قاسية مع نظام قمعي، وكفاءات مدربة، فيما أن شبابنا لم يحملون السلاح إلا إرتهانا للحظة التاريخية الفارقة ..وفعلها هذا الشعب المعجزة !، وأنتصر رغم إنعدام الخبرة، وضيق الوقت .

كان يعتصر قلبي ألم أن لا يفهم العالم العربي هذهِ التضحيات إلا على أنها، جيش وطني يحارب جماعات شاذة عن القانون، فيما أن المشهد مختلف تماما، كما أشعر بالأستياء أن يتعمد الإعلاميين، والساسة العرب من تصوير المشهد الجنوبي على أنه حالة من الثورة ضد النظام المركزي، وأن الأمر قد يُحل في حالة تم مشروع الأقاليم . لم يفهم العالم بعد أنها إشكالية هوية، ودولة كان لها على الخارطة السياسية وجود، أنتهت في ظل شراكة ظالمة، تحولت إلى احتلال ممنهج بعد الغزو العسكري الّذي عمدها بالدم .
إن النقلة الحقيقية في تاريخ الثورة الجنوبية، كانت على مرحلتين، الأولى هي الحرب التي أظهرت جاهزية هذا الشعب لأن يستقل، ويدير أرضه بما يتناسب مع خياره السياسي، كما أظهرت الفرق الشاسع بين الجنوب الرافض للمشاريع القادمة من الحوثي، وحلفائهِ ، وللشمال الذي هادن الحوثي في أغلب المناطق دونما المحاولة حتى لإنتزاع بقايا الدولة من هذهِ الجماعات السلالية، وسيذكر التاريخ ساخرًا أن المناطق الشمالية التي جابهت هذا المد، كان أبناء الجنوب من حارب في أرضها، والكتائب الجنوبية التي تحركت من عدن نحو تعز خير شاهد! .

المرحلة الثانية هي إعلان عدن التاريخي، بعد المكاشفة التي حدثت بين الشرعية، والحراك الجنوبي بممثليهِ في السلطة المحلية في عدن، تحديدًا بعد إقالة عيدروس،ولم تكن الإشكالية هي الإقالة بقدر ماكان للتوقيت الزمني المستفز لمشاعر الجنوبيين عامل في الثورة العارمة التي جابت الشوارع، وهي تشعر بالمهانة ، ولن نكون أكثر سطحية قائلين بأن التوقيت هو السبب الرئيسي، لكن الآلاف المحتشدة في ساحة العروض كانت تشعر بأن هذهِ ماهي إلا خطوة أولى تشير إلى إستبعاد الحراك الجنوبي من المشهد القادم،وستتوالى الإقالات،والتغييرات، وسيتم ملئ الفراغ بمن يستطيع تمرير مشاريع الشرعية دونما إعتراض . تناست هذه الشرعية أن من مكنها لتحكم في عدن هو هذا الشعب الذي أصبح حاضنًا لها في لحظة تاريخية فارقة، ليضمن فقط شكل دولة مدنية يمكن التحاور معها في شأن القضية الجنوبية -أي تقريري المصير-، بعد أن أظهرت الحرب أن 94 سيعيد نفسه مرارًا وتكرارًا ! .

بعد كل هذا التاريخ من التضحيات، كان تشكيل حامل سياسي للقضية الجنوبية هي الخطوة الأولى نحو تصحيح أخطاء مسيرة الحراك الجنوبي، الذي أهتم بالخطابات الشعبوية، و فيما بعد أهتم بمرحلة القتال، والمواجهة، لكن السياسة دائمًا ما كانت عامل خامل في ثورتهِ، رغم وجود طفرة في العقول الجنوبية التي تستطيع تمثيل الجنوب في الخارج . علينا الفهم أن من هذهِ اللحظة -من لحظة الإعلان- يبدأ الحراك الجنوبي مرحلة جديدة لا تحتمل التأخير، والممطالة، وأن كل العوامل تفسح لنا الطريق لنعلن عن أنفسنا للعالم، فنحن أصبحنا نمتلك الشارع الجنوبي، بشقيهِ المدني، والعسكري، كما أن الشرعية لم يعد لها نفوذ على الشمال، وأصبح إستقلال الجنوب من مصلحتها، ببساطة لأن كل الخيارات الأخرى ستصب في دولة تتقاسمها الشرعية مع الحوثيين ! ، كما أصبحنا الضمان الوحيد لصد المشاريع الحوثية الإيرانية التي تشكل فوبيا لدى منطقة الخليج، وأصبح ضمان مصالحهم مرهون بضمان إرادة الشعب الجنوبي في الإستقلال بدولة تمثل خيارهِ السياسي، ولا تخضع لحكم ديني سلالي .