مروان هائل يكتب لـ(اليوم الثامن):

المرأة اليمنية.. تواجه التمييز والظلم صامتة

سياسة الدولة المتعلقة بالمرأة يعتمد مضمونها وفعاليتها على فهم جوهر القضية النسائية والأيديولوجية المتعلقة بالمرأة السائدة في المجتمع والنخبة السياسية وعلى نوع العلاقات الاقتصادية ومستوى التنمية الاجتماعية للسكان (الذكور والإناث).

لم تكن النساء في الجنوب قبل الوحدة أقل شأنا من الرجال من حيث التعليم والعمل والمنافسة الحرة في مختلف مؤسسات الدولة، حيث لعبت الثقافة المجتمعية المنفتحة على حقوق المرأة في ذلك الوقت دورًا إيجابيًا كبيرًا في تثبيت مفهوم المرأة الكادر والأم في الوعي الجماهيري، وتغلبت على القوالب النمطية الثقافية البدائية، التي كانت تصور المرأة بدور الزوجة والأم "المنزلية" فقط بدلاً من الأم العاملة المؤهلة والمتعلمة، كما دعمت حكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبيــة سابقا في عام 1984 حقوق المرأة بالتصديق على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

اليوم في الجمهورية اليمنية يصعب على الكثير من النساء أن يصنعن مهنة أو المشاركة فيها بسبب الفجوة بين الجنسين في المناصب الصغيرة والكبيرة والثقافة المتوارثة عن مفهوم المرأة ودورها في المجتمع، في الجنوب مثلا في فترة الاحتلال البريطاني وحتى بعد الاستقلال كان لدى النساء والرجال نفس المستوى من التعليم والعمل وفرص متساوية في شغل مناصب قيادية، بينما في الشمال ظلت المرأة تواجه الكثير من التحديات والصعوبات وتعرضت للتمييز المفتوح وحبيسة سجن الأمية والعادات والتقاليد المغلقة والمجحفة، أما بعد الوحدة فقد ظهرت فجوة ليست في صالح المرأة جنوبا وشمالا، وواجهت النساء حواجز أقوى أمام الوصول إلى الوظائف الصغيرة وفقدن الأمل في التفكير في المناصب رفيعة المستوى بسبب ذكورية المجتمع والقوانين والتشريعات التمييزية وتسطح عقول البعض في الدولة، التي تدار بعقلية القبيلة، حيث مارس الحاكم والشيخ التمييز المقرف والظالم ضد النساء، وخاصة تلك اللاتي لديهن أطفال عند التقدم للحصول على وظيفة معتبرهن عاملا محرما وخطرا وتكلفة، بسبب الإجازة المرضية والحمل...إلخ، ومع هذه الأسباب اختفت حماية العمالة النسائية وضعفت ولم يكن من السهل على المرأة تأكيد حقوقها، وفي الواقع سياسة الدولة الجديدة بعد 1990 أجبرت النساء على التخلي عن طموحاتهن المهنية، حتى من كانت في دائرة العاملات الكفؤات لم تستطع الغالبية منهن رغم تعليمها ومؤهلاتها من تحقيق أرباح في شكل ترقية ونمو للدخل، لأن الوعي الجماعي الوحدوي الجديد حدد الأدوار المهنية على شكل الرجل هو المعيل والعامل، والمرأة هي التي تحافظ على البيت والطباخة، باختصار ربات بيوت للولادة وتربية الأطفال خاضعات لرغبات الرجل ولقانون تعدد الزوجات حتى وإن كانت قاصرة.

اليوم الكثير من النساء في اليمن يعانين من الظلم والتمييز وتحد كبير في الحصول على التعليم ليس بسبب إحياء التقاليد القديمة فقط، بل أيضا بسبب تكوين تقاليد جديدة دخيلة وبدائية جعلت الكثير من النساء تعشن في الجهل والتخلف يواجهن الخوف والإذلال اليومي في المنزل وخارجه وفي العمل، أضف إلى ذلك الاستراتيجيات التعليمية والوظيفية والعادات الاقتصادية وأنماط الحياة المميزة للمجتمع آخذه في التراجع في الدفاع عنها وعن حقوقها، كما ساهم في زيادة إذلالها ارتفاع نسبة الأمية في صفوفها والموروث الاجتماعي الثقافي بعد الوحدة المتمثل في ريادة الأعمال بعد التسعينيات وربطها بالمفاهيم الذكورية ووحشية المجتمع القبلي المتخلف والنهضة الدينية المتطرفة وتشدد المعايير الثقافية للمجتمع الذكوري والأبوي، حيث مفهوم "البيت المرة والحب الذرة، قولوا لمسعدة تقع مدبرة" تتحمل الأعباء اليومية وكل أشكال العنف المنزلي وفي كثير من الأحيان بسبب هذا التشدد والظلم لا تستطيع الاعتناء حتى بصحتها بسبب صمتها وصبرها، وغالباً ما تؤدي ثقافة صمتها هذه إلى وفاتها المبكرة.