مشعل السديري يكتب:

هل نستحق الضرب بالكرابيج؟!

إليكم هذه الحادثة التي تستحق أن تروى:
فيقال إنه خلال حفل زفاف، شاهد أحد الحضور معلمه الذي كان يدرسه في المرحلة الابتدائية قبل نحو 35 سنة، فأقبل الطالب بلهفة واشتياق على معلمه بكل تقدير واحترام، ثم قال له بشيء من الخجل والخزي: هل تتذكرني يا أستاذي؟ فقال المعلم العجوز: لا يا بني، فقال الطالب: بصوت خافت: كيف لا؟ فأنا ذلك التلميذ الذي سرق ساعة زميله في الصف، وبعد أن بدأ الطفل صاحب الساعة يبكي طلبت منا أن نقف جميعاً ليتم تفتيش جيوبنا، وأيقنت حينها أن أمري سينفضح أمام التلاميذ والمعلمين، وسأبقى موضع سخرية وستتحطم شخصيتي إلى الأبد، وذلك عندما أمرتنا أن نقف صفاً وأن نوجّه وجوهنا للحائط، وأن نغمض أعيننا تماماً، وأخذت تفتش جيوبنا، وعندما جاء دوري في التفتيش سحبت أنت الساعة من جيبي، وواصلت التفتيش إلى أن فتشت آخر طالب، وبعد أن انتهيت طلبت منا الرجوع إلى مقاعدنا، وأنا كنت مرتعباً من أنك ستفضحني أمام الجميع، ثم أظهرت الساعة وأعطيتها للتلميذ، لكنك لم تذكر اسم الذي أخرجتها من جيبه، وطول سنوات الدراسة الابتدائية لم تحدثني أو تعاتبني.
ولذلك يا معلمي قررت منذ ذاك الحين ألا أسرق أي شيء مهما كان صغيراً، فكيف لا تذكرني يا أستاذي؟
طبطب المعلم على ظهر تلميذه وابتسم قائلاً: بالطبع أتذكر تلك الواقعة يا بني، صحيح أنني تعمدت وقتها أن أفتشكم وأنتم مغمضو أعينكم كي لا ينفضح أمر السارق أمام زملائه، لكن ما لا تعلمه يا بني هو أنني أنا أيضاً فتشتكم، وأنا مغمض العينين ليكتمل الستر على من أخذ الساعة، ولا يترسب في قلبي شيء ضده.
إذا كانت هذه الحادثة أو الرواية صحيحة، فلا شك أن ذلك المعلم قد جاء من كوكب آخر – خصوصاً أنه هو شخصياً تعمد أيضاً أن يغمض عينيه لكي يكتمل الستر، على حد قوله.
يا الله ما أبعد الفرق، والآن فقط تذكرت «فراختنا» عندما كنا تلاميذ صغاراً، ولا «تنبل الفولة» في فم أي واحد منّا، وما أن يشاهد هفوة أو خطأ غير متعمد من زميله، حتى يطير من الفرح، ويسارع بشكواه وفضحه عند المعلم، بل إنه يزيد عليها و«يبهّرها» من عنده لكي تكون عقوبة زميله أقسى.
هذا مع العلم أننا كنا وقتها نحفظ عن ظهر قلب الحديث الشريف القائل: الفتنة أشد من القتل.
ألم نكن أيامها نستحق الضرب بالكرابيج؟!