هاني مسهور يكتب:
حصنتك باسم الله يا وطن
عندما تشرفت بلقائي الأول بسيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، بادرته بكلمات رددتها طويلاً بأن هذه الإمارات محفوظة بربها، فكما لها من محبين لها كارهين، فهذه البلاد تأسست على قواعد صحيحة من قيم ومبادئ وضعها المؤسسون الأوائل للاتحاد بين الإمارات السبع، أسس وضعت في اعتبارها أن الأوطان الناجحة يجب أن تنطلق من قواعد متينة لتذهب بخطوات ثابتة نحو المستقبل.
من اليوم الأول لإعلان دولة الاتحاد وثمة عقيدة راسخة كان يؤمن بها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه بالتمسك بالدولة الوطنية المدنية والعادلة القادرة على مواجهة التحديات، النواة في تشكيل الدولة بدأ من مباشرة إذكاء هذا الجانب الأساسي فيما بعد الخروج الأجنبي من المنطقة العربية وفي الظروف المعقدة التي تلت الحرب العالمية الثانية.
التحديات في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة هي ذاتها التي عاشتها غالبية الأوطان العربية، فتحويل المجتمع القبلي إلى الدولة الحديثة ليس مسألة يسيرة وممكنة في مجتمعات كانت قبائلها تترحل باحثة عن الأمطار والمراعي، فلم يعرف سكان المناطق الصحراوية استقراراً معيناً للبيئة الصعبة التي وُجدوا فيها يضاف إلى ذلك ما توارثته تلك القبائل من صراعات كان الأهم مع التأسيس وضع قوانين تضع حداً فاصلاً بين ما قبل الدولة وما بعدها.
في العام 1971 لم ينشأ الاتحاد الإماراتي فقط، بل تأسست دولة الإمارات العربية المتحدة الأنموذج في المنطقة العربية بالاحتفاظ الكامل بميراث القبائل والدخول للدولة الحديثة، هنا تحديداً تتطلب القراءة العودة إلى أهمية كتابة الدستور الوطني على أرضية ثابتة بمعرفة ودراية ووضوح واستيعاب الكل في نطاق الدولة، ولعل هذا درس من أهم الدروس التي يجب أن ينظر إليها في تجربة تأسيس الاتحاد الإماراتي، فالدستور وضع كحجر الزاوية في هذا الكيان بعكس كثير من الأوطان التي كتبت دساتيرها بعد الاستقلال، وبعد أن تملكت أطراف داخلها قوةً أكبر من غيرها، مما أحدث خللاً جسيماً مازال يعصف بها بعد عقود من استقلالها.
وهب الله تعالى الإمارات رجالاً من نوع فريد في بيئة صحراوية صعبة، فالرجال وحدهم قادرون على النهوض بشعوبهم وإنْ كانوا في بيئات تكاد تنعدم فيها فرص الحياة، فتحويل المستحيل إلى ممكن ليس مجرد شعارات توضع بل تحديات تُخاض بشجاعة، ومع الشجاعة تظل الحكمة والبصيرة، وهكذا كانت النشأة الأولى في تحديد الأولويات التي لم يغب معها يوم أهمية تعزيز قيم الدولة الوطنية.
الوحدة الوطنية تتشكل في اتحاد الإمارات من عنصرين أساسيين الأول وحدة المصير والثاني المسؤولية، هذه الوحدة زرعت في الدستور وحملها بداية الرجال المؤسسون ومثلوها على واقعهم وأسلوبهم في لحظة الميلاد للدولة، ولذلك بدأت مباشرة مرحلة التنشئة عبر إغراق المجتمع بالمعرفة التي من خلالها كان الرهان على المواطن بنقل عناصر تشكيل الدولة للشعب الذي سيتعين عليه أن يشكل الدولة ومظهرها وصورتها.
في هذا السياق تبدو صورة المغفور له الشيخ زايد وهو بين رواد الفضاء ملهمة لكنها في جانبها الأهم محفزة للشعب الذي كان عليه أن يتسلح بالعلوم والمعارف ليحقق حلماً كان يبدو مستحيلاً لكنه مع عناصر التأسيس بات حقيقة بعد نصف قرن من النشوء الوطني، جوانب التحفيز تتطلب في جانبها الآخر قدراً من منح الإلهام الذي كان ملازماً للتأسيس الوطني ورافداً يشعر به حتى المراقبين لهذه الدولة من خارجها.
تحصين الاتحاد بالقوة العسكرية لم يكن مجرد قرار يتأخر بل قرار ينجز وتطلق له استراتيجيات واضحة بوضع بنية تحتية ترتكز أيضاً على محددات التأسيس الوطني، وهذا القدر تحقق في توقيته التاريخي بالمشاركة الفاعلة في نجدة المظلوم وإغاثة الملهوف، فمن إسناد مملكة البحرين عام 2011 والاصطفاف إلى جانب السعودية في الدفاع عن حدودها أظهرت القوات المسلحة الإماراتية ذلك القدر العالي من الإمكانيات القتالية التي أشاد بها العدو قبل الصديق.
أنموذج الإمارات له جانب مضيء آخر في وضوح رؤية القيادة السياسية بمحاربة التطرف بأنواعه ونبذ الكراهية والحرب على الإرهاب، ومن هزيمة «داعش» في عدن إلى تحرير الساحل الحضرمي من تنظيم «القاعدة» للمشاركة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، تحضر التجربة الإماراتية كرائدة في هذا المسار، والريادة أيضاً لم تأتِ من الفراغ بل من أسس التكوين التي قامت على المعرفة، والتي بدورها ترفض الظلام والجهل والخراب.
لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، كلمة عظيمة يقولها: «التاريخ يصنعه الشجعان»، والشجاعة المقرونة بالحكمة هي سر أسرار الإمارات التي حولت الثروة لوسيلة تحقق فيها إنجازات اختصرت فيها السنوات وكسرت معها المستحيلات، معادلة واضحة تتطلب قرارات مبنية على أساسات متينة هي التي جعلت من الإمارات الأرض الحلم للشباب العربي ليس للرفاهية والأمن فقط، بل لأنها أرض للفرص العادلة لكل المقيمين على أرضها.
بمقدار هذا السطوع والعلو تأتي التحديات والصعوبات والاختبارات اللازم دائماً عبورها بنجاحات مستدامة، فنصف قرن من عمر الدولة الإماراتية الحديثة تحقق فيها ما عجز عنه الآخرون في سباق الأمم والشعوب الحضاري، وكما أن هناك ملايين المحبين يظل هنالك كارهون يضمرون الشر والغل حسداً لعجزهم وفشلهم ومن هؤلاء يردد الإماراتيون صباح مساء نشيدهم الخالد «حصناك باسم الله يا وطن».