عمر علي البدوي يكتب:
القمة الخليجية على صفيح التحديات
تلتئم في الرياض، الثلاثاء، القمة الخليجية الـ39 بعد دعوة أغلب زعماء الدول الست للمشاركة في قمة تضمها دولة المقر، تعيد للمجلس حيويته وفعاليته التي تراجعت لوهلة، ولكن التحديات الإقليمية والأخطار التي تستهدف المنطقة استدعت إعادة تأهيل أدوار المجلس وترميم لحمته ككتلة واحدة في وجه الأخطار المحدقة بأعضائه وشعوبهم التي تنتظر أداء سياسيا وجماعيا يرتقي إلى مستوى هذه الأخطار ويتعاطى معها بوعي وصلابة، ويسبق في ذلك القوى المترصدة والمتربصة به والتي لم تفرط في ثغرة تنفذ منها إلى صميم بنيانه وروح كيانه، لتحاول فرض أجندتها وتبحث عن فرص لتوسيع نفوذها وحقن مصالحها.
تواترت الأخبار بشأن قرب انفراج أزمة قطر، الدولة العضو في المجلس، وحضور أمير قطر سيصب في خانة هذه الأخبار ويعزز من اتجاهها إلى النهاية، ولكن حضوره لا يكفي لانتشال الكثير من الملفات الضخمة والبنود المتعثرة في شقوق الأزمة، لاسيما وأن الدوحة لن تستطيع فك الارتباط مع إرث كامل من المجهود الإعلامي والسياسي الذي بنته طيلة سنوات وعقود، وانتحت فيه منحى يتسم بالعداء والمناكفة ضد جاراتها.
كما أن قطاعاتها الشعبية والاجتماعية تشبعت بالكثير من الأفكار والأيديولوجيات بتأثير الضخ والسيولة الإعلامية التي تعرضت لها، ويشق عليها الخلاص منها قبل أن يلعب الوقت والزمن دوره في تفكيك هذه المعتقلات الفكرية الضخمة التي فرضت عليها بعد استقطاب رموز الحركية الإسلامية ومنحهم الحق المطلق في تشكيل وعي المجتمع القطري وغرز إسفين الفرقة والشقاق مع جيرانه.
التحديات الإقليمية والأخطار التي تستهدف المنطقة استدعت إعادة تأهيل أدوار المجلس وترميم لحمته ككتلة واحدة في وجه الأخطار المحدقة بأعضائه وشعوبهم التي تنتظر أداء سياسيا وجماعيا يرتقي إلى مستوى هذه الأخطار ويتعاطى معها بوعي وصلابة
ولعل جولة يسيرة على المنصات الإعلامية التي ترعاها الدوحة ستسمح بتلمّس حجم المكابرة والعنت الذي تلقاه والإصرار الذي تتبناه لمناكفة عواصم الرباعي العربي وافتعال الكثير من الأخبار المضللة والأحداث الملفقة، حتى في تعاطيها مع الأخبار المتصلة بتفكيك الأزمة التي وقعت فيها ستجد صياغة إشكالية تشبه ما تعودت عليه من تلميع الجانب القطري وبخس بقية العواصم الخليجية.
ورغم أن قطر أبدت استعدادها في الزيارة السرية لوزير خارجيتها إلى الرياض، لإجراء خطوات جراحية قاسية من بينها التخلي عن رعاية جماعة الإخوان المسلمين ودعمها، لكنها بحاجة إلى الكثير من الوقت لإثبات جديتها والخلاص من كل الشروط المعرقلة لاندماجها الكامل في نسيجها الاجتماعي وعمقها الجغرافي، والخروج من قبضة القوى الإقليمية التي استسلمت لها واندفعت إليها نكاية بجيرانها وإمعانا في مكابرتها.
رغم ما خيّم على أجواء المجلس من سحب التكهنات السلبية عن مستقبله وحقيقة دوره وجدواه طيلة الفترة القصيرة الماضية، فقد استعاد المجلس بعضا من أهميته وسلطت عليه الأضواء وارتفع في حسابات المهتمين، إزاء التحديات المحدقة لاسيما تلك التي تتركز في محيط الدول الست المشكلة للمجلس، والصادرة في أغلبها من جهة الشرق، حيث تمارس الجمهورية الإيرانية سياستها العبثية منذ أربعين عاما، وتستهدف بالأساس نظراءها العرب على حافة الخليج.
تعاني طهران اليوم من أحلك الظروف وربما واحدة من أقسى المراحل في تاريخها الحديث، بعد أن اشتدت عليها وطأة العقوبات، وانخرطت الشعوب العربية التي انتهكت ميليشيات إيران ووكلائها سيادة دولها وحقها في عيش كريم وآمن، في سلسلة من فعاليات الرفض والثورة ضد ظروف معيشية وشكل حياة لا يضمنا مستقبلا واعدا. ظروف كانت إيران المتسبب الأول فيها عبر الإضرار بسياسة البلد ورعاية وكلاء محليين يضمنون ارتهانهم لحسابات قاسم سليماني والتزامه بمحور المقاومة الزائفة، المرذول دوليا والمنبوذ إقليميا.
وستكون مواجهة التغول الإيراني في المنطقة ضمن أولويات القمة الخليجية، وسيتحتم على دول مجلس التعاون الخليجي أن ترتب أوراق التحالف لحماية أمن الخليج لمراقبة التحركات في مياه الخليج بالتنسيق مع التحالف الدولي، الذي باشر مهامه في البحرين، وسيعزز هذا من أمن المنطقة في وجه الاستفزازات الإيرانية، ويعمق من جدوى العقوبات التي تحبط فعالية طهران في إيذاء جيرانها والإسراف في سلوكها التخريبي.
يرعى المجلس الأمل المعقود في مستقبل الدول الست وسط جحيم الانهيار والفوضى التي تغرق فيها دول المنطقة، وعبر لجانه ذات الاهتمامات المختلفة التي ظلت تنعقد رغم القلق الذي كان يساور الجميع بشأن المجلس في عمومه، يناط بها تسريع عملية التكامل ودعم خطط التنمية الجماعية والفردية، لاسيما وأن أغلب دول المجلس تملك رؤى مستقبلية للوصول ببلادها إلى مستوى من التحضر والقوة الذاتية والتقدم، وعلى رأسها السعودية التي تنظر إلى العام 2030 بكثير من التفاؤل والأمل، وتعقد له ورش التفكير المفتوح والواعي، وقد اتخذت خطوات عظيمة في سياق الانتقال إلى تلك المحطة التاريخية في عمر البلاد.
لقد حققت الدول الخليجية مجتمعة مستوى من التنمية كان وقاية لها من اضطرابات الواقع العربي الهشّ، وهي تكاد تجمع على أن المستقبل مليء بالأمنيات مثلما هو مفخخ بالتحديات، وبالنظر إلى ورائها ستدرك حجم ما حققته وأنجزته من عمران مادي وبشري يستحق التقدير، وأن المواصلة في هذا الطريق من التنمية المستدامة يتطلب مراجعة النفس وكسر حواجز التكامل الشامل بين دول المجلس، بما يتطلبه ذلك من تفتيت السياسات الفردية الشاذة والتعويل على قوة الاجتماع وجدوى التلاحم.