نورا المطيري تكتب:
الحلم العثماني القديم
لم يستوعب الشعب الليبي، وكذلك الأمة العربية والمجتمع الدولي، كيف ينساق رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج، لتوقيع مذكرتي تفاهم مع الحكومة التركية، يمنح بموجبها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مناطق نفوذ بحري واسعة في المتوسط، وكذلك توقيع مذكرة أخرى استعمارية تحت مسمى تعزيز التعاون الأمني بين طرابلس وأنقرة..!
يحاول السراج، بأي ثمن، تمرير أجندته الإخوانية المرتبطة بأجندة الخليفة المزعوم الحالم أردوغان، وفي هاتين المذكرتين يقوم بما حاول القيام به الإخوان أثناء فترة رئاسة محمد مرسي في مصر، بتسليم عنق ليبيا كذبيحة، للمستعمر العثماني، تحت ذريعة اتفاقيات وعلاقات دبلوماسية، ويفتح الأبواب على مصراعيها لأنقرة لتبسط سيطرتها على ليبيا ومنحها صلاحيات فوق العادة السياسية والعسكرية والأمنية، تسمح لتركيا باختراق الأمن الليبي والتمدد نحو الشمال الأفريقي بغطاء يفتقد القانونية والشرعية الدولية؟
اليونان مثلا، التي كانت تدعم حكومة الوفاق على أنها حكومة شرعية، شعرت بالقلق الشديد جرّاء تلك المذكرات بين أردوغان والسراج، فقامت على الفور، وكرد فعل أولي، بطرد سفير حكومة الوفاق بل واعتبرت أن تلك الحكومة غير آمنة على مصالحها، ووضحت اليونان، أن إدخال الوفاق السلطات التركية بحقوقها البحرية في مناطق البحر الأبيض المتوسط، المحاذية لشواطئ كريت ورودوس وجزر يونانية أخرى، هو عمل يتسم بالعبث، حيث تتعدى المذكرة على الحقوق السيادية المطلقة للجمهورية اليونانية.
يرى المراقبون، أن رئيس حكومة الوفاق قد تعدى صلاحياته وفقاً لاتفاقية الصخيرات، خاصة وأن الحكومة المصرية ترى تلك المذكرات، وفي ظل التصعيد التركي تجاه مصر، ومحاولات الاحتكاك السياسية والعسكرية، سوف يهدد أمن حدودها البحرية واعتبرت أن مذكرات التفاهم الموقعة غير شرعية.
ينظر المجتمع الدولي، للأخطبوط أردوغان، الذي يبذل جهوداً استثنائية لاحتلال الدول العربية وإنشاء قواعد عسكرية وأمنية ومناطق آمنة فيها، على أنه يستغل ضعف بعض الحكومات، ويستغل موقعه الجغرافي، لإعادة حلمه العثماني القديم، كما يقول بنفسه: «أن يرث عرش الإمبراطورية العثمانية البائدة»، بالتمدد شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فوجد في حكومة الوفاق التابعة لها إخوانياً، لقمة سائغة لاستخدام الأجواء الليبية وإنشاء قواعد فيها لقتال الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير حفتر.
لا شك أن الخطوات التركية المتخبطة، والتي تتعارض مع الأعراف والشرعية الدولية، جاءت بسبب الضغوط الأوروبية والأمريكية وفرض عقوبات سواء بسبب مهاجمة الأكراد، أو شراء منظومة صواريخ روسية إس 400 وكذلك بسبب شروع تركيا بالتنقيب عن النفط في منطقة البحر المتوسط متحدية كل الغاضبين.
بالطبع، وحيث إن مذكرتي التفاهم بين السراج وأردوغان، لا تأخذ صيغة الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية، وحيث لا يعترف أو يقر بها أحد، فإن اليونان أو مصر أو قبرص، وأياً من المتضررين، لن يلجأ إلى مجلس الأمن أو الأمم المتحدة للطعن في مذكرتي التفاهم، حيث لم تودع أنقرة أو طرابلس تلك المذكرة كمعاهدة دولية لدى الأمم المتحدة، وإذا حدث، كإجراء روتيني، أو كمماحكة، فيحق بعدها لأي من هذه الدول المتضررة تقديم الطعن لدى الأمم المتحدة.
الطموحات والأحلام الأردوغانية، التي ترى الأرض العربية مجرد متاع ومشاع، لن تتوقف عند حدها، طالما وجدت البيئة الخصبة من المؤيدين للأفكار الإخوانية الإرهابية، الذين يسمحون للجيش العثماني المستعمر، مهاجمة قوات الجيوش العربية الوطنية، كالجيش الوطني الليبي أو يسمحون بالاحتلال العسكري المباشر لأرض عربية، كما تفعل الميليشيا الإرهابية في سوريا.
*البيان