عمر علي البدوي يكتب:

نايف الحجرف في مهمة تعزيز كيان الخليج فوق مياه مضطربة

وافق القادة الخليجيون على تعيين الكويتي نايف الحجرف أمينا لمجلس التعاون، وأعلنوا أن الحجرف سيتولى منصب أمين مجلس التعاون الخليجي اعتبارا من أبريل المقبل. وكانت الكويت رشّحت وزير ماليتها، الحجرف، أمينا عاما للمجلس، خلفا للأمين الحالي عبداللطيف بن راشد الزياني الذي تنتهي ولايته العام المقبل بعد أن قضى عشر سنوات في هذا المنصب.

وخلال كلمته في افتتاح القمة الخليجية الـ40 التي عقدت مؤخرا في الرياض، قدم العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز التهنئة للحجرف، الذي بات ثاني مسؤول كويتي يتولى المنصب بعد عبدالله بشارة الذي تقلد المنصب خلال الفترة ما بين عامي 1981 و1993، وسادس الأمناء الذين درجوا على المقعد منذ قيام المجلس في 25 مايو 1981. كما بعث أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، برقية تهنئة إلى الحجرف، أعرب فيها عن خالص تهانيه بمناسبة نيله ثقة قادة دول مجلس التعاون، وتمنى له كل التوفيق والسداد للإسهام في تعزيز ما وصفه بأنه “المسيرة المباركة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية لتحقيق أهدافه المنشودة للمجلس”.

الاقتصادي والمستقبل
ستكون القمة الخليجية المقبلة، التي ستعقد في البحرين، أولى مسؤوليات الحجرف الكبرى، على وقع ترحيب القادة الخليجيين بافتتاح المركز الدولي لحماية الملاحة البحرية في البحرين، إيذانا بانطلاق مرحلة جديدة من تاريخ المنطقة، تصمم أجواءها الجديدة استجابة لتلك التحديات التي طرأت عليها والمناخ العاصف الذي يحرك مياه الخليج ويهدد دوله المشاطئة. ولد الحجرف عام 1971 في الكويت، وينحدر من أسرة لها باع في مجال المال والأعمال، وأسرة سياسية، إذ كان والده عضوا في مجلس الأمة الكويتي عن محافظة الجهراء.

تلقى تعليمه الأساسي في بلاده، وحصل على البكالوريوس في المحاسبة من جامعة الكويت، ثم حصل على الماجستير في علوم المحاسبة من جامعة إلينوي الأميركية، والدكتوراه في المحاسبة والتمويل من جامعة “هول” البريطانية.

أولى مسؤوليات الحجرف ستكون القمة الخليجية المقبلة في البحرين، على وقع ترحيب القادة الخليجيين بافتتاح المركز الدولي لحماية الملاحة البحرية فيها، تدشيناً لمرحلة جديدة
أولى مسؤوليات الحجرف ستكون القمة الخليجية المقبلة في البحرين، على وقع ترحيب القادة الخليجيين بافتتاح المركز الدولي لحماية الملاحة البحرية فيها، تدشيناً لمرحلة جديدة
وبينما يبدو الحجرف هو المناسب للمهمات العديدة التي تواجه المجلس في المرحلة القادمة، تبدو الظروف الاقتصادية، وحجم الاستعداد الواعي لها، بموقع ملحّ لمناقشة ملفات التكامل المتعثرة، التي أشبعت نقاشا وأملا مع وقف التنفيذ.

فالعقبات الصغيرة تعرقل قدرة المجلس ودوله على تسيير آليات البتّ في المواضيع المتعلقة بإنجاز مناخ اقتصادي وتجاري مفيد لدول المجلس ويحملها على تقوية تكتلها الاقتصادي بما يحميها مجتمعة من صوارف التقلبات والاضطرابات.

والحجرف تغلب على سيرته العملية، الكثير من المناصب والمهام المتصلة بعالم المال والأعمال بقرابة 16 عاما من الخبرة في الإدارة بالقطاع العام والخاص والاستشارات المالية، والمجال الأكاديمي، ولعل هذا سيكون مفيدا في تعزيز أدوار المجلس الاقتصادية والمالية التي ينتظرها الكثير من الجهد التخصصي الذي يصب في دعم مشاريع التكامل التجاري والربط الاقتصادي الرشيد والمنتج، فضلا عن الواجبات السياسية المكمّلة لهذا الجهد في وجه كل المتاعب والعوائق التي تقيد عمله وتفسد نتائجه وتحدّ من طموح كل متفائل.

الحجرف كان قد عمل نائبا لرئيس جامعة الخليج الخاصة للعلوم والتكنولوجيا في الكويت ورئيسا لقسم المحاسبة فيها ثم أصبح المنسق العام لكلية العلوم الإدارية بالجامعة. وتقلد منصب مستشار مالي في سوق الكويت للأوراق المالية، ومستشار مالي في المشروعات المشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة التخطيط الكويتية.

وتسلم رئاسة شركة أبوظبي الأولى للتطوير العقاري، وإدارة بنك الكويت والبحرين في البحرين وشركة البحرين الأولى للتطوير العقاري. وعُين في المجلس الأعلى للبترول وهو المنظمة التي تدير السياسة النفطية للكويت.

كما عمل في الهيئة العامة للاستثمار التي تدير الصناديق السيادية للكويت في الخارج. وتم تكليفه وزيرا للتربية والتعليم العالي بالحكومة الكويتية ورئيسا لمجلس مفوضي هيئة أسواق المال ومديرها التنفيذي.


وفي عام 2016، أعيد اختياره وزيرا للتربية والتعليم العالي. وبعدها بعام واحد أصبح وزيرا للمالية. وكان قد قدم استقالته من منصب وزير المالية في نوفمبر الماضي وأعلنت حكومة الكويت لاحقا عن ترشيحه لشغل منصب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي.

هكذا يصبح العمل على تحقيق التعاون والتكامل بين دول المجلس في جميع المجالات، ووضع نظام ثابت في الأنظمة الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك، ودفع عملية التقدم العلمي في مختلف المجالات، وإقامة مشاريع مشتركة، وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة والتعاون على جدول أعمال الحجرف الأساسية.

وليس بعيدا عن ذلك، المستجدات الاقتصادية في ظل التقلبات النفطية التي شهدتها سوق السلعة الأهم في يد الخليجيين، فضلا عن تذبذب الأسعار، والآثار الوخيمة لسلوك الجار المقلق إيران على أسواق النفط واستقرار أحوال السلعة الثمينة. لهذا يتطلب فحص البدائل والرهان على الخيارات الجديدة والآفاق الممكنة، جهدا وجرأة تخففان من وطأة الاعتماد عليها والخروج من قبضة القلق الذي يساور الخليج بعد نضوب النفط أو انخفاض قيمته العملية ومردوده المالي.

ولعل بعض دول الخليج، ومن بينها السعودية والإمارات، خطت خطوات بمثابة قفزات بعيدا عن مجال النفط، في مجالات السياحة والاستثمارات والتصنيع الأولي، لكن المسافة لا تزال كبيرة قبل أن تحصل على امتياز الانعتاق من إدمان الاعتماد على ريع النفط.

مرحلة فاصلة
لا أحد يحسد الحجرف كأمين عام لمجلس التعاون الخليجي على منصبه في أكثر لحظات المجلس حساسية، بالنظر إلى قائمة طويلة من التحديات التي تحيط به والاستفهامات التي تخنق فضاءه وتتكاثر حول أدواره المرتقبة وجهوده المنتظرة، كتزايد حدة المخاطر الخارجية، على غرار حمم القلق التي تقذف بها البلدان العربية المحتقنة في شكل مظاهرات واضطرابات، لاسيما الجار العراقي الذي يغرق في لحظة ثورية منذ شهور، لم يعرف استقرارا وهو المتردد بين الانسجام مع هويته العربية والخليجية، ودفع الثمن الجغرافي الذي يحتم عليه التعامل مع الجار اللدود إيران.

المخاطر الخارجية تبدو أحد أهم أسباب الدفع بصون المجلس من التفكك والتراجع وتعميق أهميته، ابتداء من الدافع من وراء تأسيسه، مرورا بأثره على الحماية المتبادلة بين أعضائه، وقيمة التماسك في ردع القوى المشتغلة على ابتلاع أطرافه.


وتشهد المنطقة عموما حالة من انسحاب القوى التقليدية التي كانت تشكل ثقلا موازنا ومؤثرا في معادلات وحسابات الفاعلين فيها، الأمر الذي يتطلب جهدا مواتيا للتعامل مع الواقع الجديد في ظل اندفاع اللاعبين الإقليميين إلى بسط نفوذهم وامتلاك أوراق تأثير تمكنهم من الفوز بملء الفراغ الذي أحدثه الانسحاب وتعويض أدوارهم، ولضرورة إنتاج مشروع محلي يقاوم استئثار اللاعبين الجدد وينجو بالمنطقة من الفراغ الكبير، وجب تكثيف حضور وتمتين تماسك مجلس التعاون لدول الخليج، بوصفها الكيان الماثل الوحيد في سلة العرب، ولن يكون هذا إلا باستعادة قدرة المجلس وآلياته على الفاعلية والجدوى في التأثير وتفعيل أوراق القوة والضغط والعمل.

الأمن القومي الخليجي
في حسابات مجلس التعاون أيضا، ضيوف جدد على المنطقة، سواء تركيا التي طورت من وجودها بقاعدة عسكرية آخذة في التوسع، بعد أن مكنتها الثغرة القطرية من النفاذ عبر حدود الخليج الذي بقي بمأمن من أحلام الرئيس رجب طيب أردوغان قبل أن تصله روابط وثيقة بالطيف السياسي الحاكم في الدوحة. أو الصين التي تنظر إلى دول الخليج بكثير من أمنيات الاقتصاد وعراقيل السياسة، وهي التي تتجه للتوسع في مشروعها الاقتصادي ونموذجها المنافس، تتحين عبر بوابة الكويت فرصا واسعة ونوافذ مشرعة، دون أن يعزب عن بصرها وانتباهها النفوذ الأميركي التقليدي في منطقة الخليج. ويؤمل أبناء الخليج الكثير على المجلس، من منطلق إيمانهم بوحدة هذا الكيان وضرورة تفعيل آلياته وتعزيز أدواره، والانتقال بروح العمل من النظام الشخصي الذي يشبه الروابط العائلية والخلفية الاجتماعية التي تنتظم أهل الخليج عموما، إلى عمل مؤسسي محترف ومتقدم، يقدم أكبر خدمة للأجيال المقبلة ويتعاطى مع أسئلة الشعوب المستجدة إزاء كل التحولات الثقافية والنوعية التي رفعت من سقف الأمنيات المعقودة على المجلس، والهواجس التي تخالج أبناءه.

وسيكون على الحجرف وطاقم عمله الجديد أن يعيدا التوازن إلى معادلة المصلحة العامة التي ينبغي على المجلس أن يكون ضامنا لها، وعنصرا فاعلا ومعادلا في تقريب وجهات النظر وتفتيت العقبات الناشبة في مسيرته، بالنظر إلى الحسابات المنفردة الدقيقة التي تتبناها بعض دول المجلس في تعاملاتها الخارجية وخياراتها السياسية وزاوية نظرها إلى المخاوف والأخطار، والتي لا تأخذ في الاعتبار والحسبان الأثر الأعمّ الذي يمكن أن تكلفه سياساته المنفردة وربما الشاذة، وقد كان لهذا النوع من التضادّ أثره السلبي على استقرار المجلس وفاعليته وتماسك أعضائه في واحدة من أكثر مراحله العاصفة مؤخرا.

تخصص الحجرف في الاقتصاد وتوليه العديد من المناصب والمهام المتصلة بعالم المال والأعمال خلال العقدين الماضيين سيكون لهما دور مفيد في تعزيز مكانة المجلس الاقتصادية والمالية التي ينتظرها الكثير من الجهد والتكامل والربط الرشيد والمنتج

ورغم ما يغلب على سيرة ونهج الحجرف من بعد تكنوقراطي واهتمام بتخصصه الاقتصادي الذي سيشكل ثقلا في الواجبات الاقتصادية المنتظرة من المجلس الفترة المقبلة، في 31 أكتوبر 2019، بينما الأزمة الخليجية مستمرة، دعا إلى ضرورة “ألا يتأثر جدول الأعمال الاقتصادي الخاص بدول مجلس التعاون الخليجي بالخلافات السياسية”. ولكن لا يمكن الحيلولة دون التعاطي مع كيان سياسي بالأساس، تؤسر حساباته السياسية على مخرجاته الاقتصادية والتنموية، بما يتطلب جهدا تكامليا يشغل كل جوانب العمل ووجوه الأداء.

قال الحجرف في مؤتمر استثماري في الرياض إن “ما تحقق في إطار مجلس التعاون الخليجي جيد جدا ولا يصح التخلي عنه، لدينا خلافاتنا، ويتعين علينا معالجة الخلافات وحلها على نحو عملي للغاية”، مؤكدا أن بلاده الكويت “تؤمن بالوحدة الاقتصادية لمجلس التعاون الخليجي”.

وبكل الأحوال، تنتظر الحجرف مهمة تاريخية لإعادة تشغيل المجلس وتفعيل أدواره، بعد قمة خليجية أخيرة عقدت في الرياض لملمت منثوره وجمعت أموره، وأبدى قادة وزعماء الخليج تصميما على التمسك بالمجلس وآلياته بعد مرحلة من الفتور والشك الذي ساور الجميع حول مستقبل المجلس على خلفية الصدع الذي نشب ولم يرأب بعد