هاني مسهور يكتب:

سراب المصالحة القطرية

حملت القمة الخليجية الـ40، التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض، كثيرا من الهالة الإعلامية حول مصالحة ممكنة مع النظام القطري.

وبكثير من البواعث، بعثت قطر رسائلها حول تلك الفرضيات من دون أرضيات لاختراق في جدار الأزمة، التي وإن حاولت الدوحة إظهار وجود الاختراق، فإن الوقائع تقول إن المحاولة القطرية لم تحقق شيئا يذكر.

ويدرك النظام القطري ما عليه فعله لإيجاد حل صريح للأزمة، علما أن المطالب التي وضعتها الدول الأربع (السعودية والإمارات ومصر والبحرين) لا تزال موضوعة على طاولة الحوار إن شاءت الدوحة حوارا ينهي عزلتها.

وعلى الرغم من أن الوساطة الكويتية كادت في أكثر من مناسبة أن تحقق نوعا من الاختراق في جدار الأزمة، فإن القطريين فشلوا في انتهاز تلك الفرص.

ومع ما أشيع عن حلول للأزمة القطرية، تصاعد تساؤل حول إن كان مجرد زيارة للشيخ تميم بن حمد آل ثاني للرياض قد تنهي الأزمة، أم أن الأمر يتعلق بأن ينفذ مطالب دول المقاطعة؟

هذا التساؤل يبدو الأبرز في التداول حول فرضية الحل لأزمة قطر، التي يمكن أيضا أن يتملص منها القطريون، عبر توقيعهم تعهدات جديدة توفر لهم فرصة للتهرب من مواجهة تنفيذهم المطالب الثلاثة عشر.

وبقراءة للطريقة التي يدير بها النظام القطري ملفاته السياسية، هناك متلازمة التناقضات في المنهجية السياسية بكافة التعاملات، بما فيها ردة فعل الدوحة الأولية مع المقاطعة في يونيو 2017، والتي تجسد الأسلوب القطري عندما اندفع باتجاه توثيق علاقاته مع إيران وتركيا، واعتمد على محاولة كسر الثقة بين السعودية والإمارات كحليفين في كافة الملفات.

ولم تتوقف قطر سواء إعلاميا أو حتى سياسيا في محاولاتها اختراق العلاقة السعودية الإماراتية، ولعل ما استخدمته من أساليب في الملف اليمني، حتى وهي توظف كامل سياساتها لدعم التناقضات اليمنية الداخلية عبر دعمها الصريح لجناحي الحوثيين والإخوان على حد سواء، فهي عندما تساند الحوثيين تعبر عن رغبة في دعمهم لمواجهة السعودية، بينما دعمها لجماعة الإخوان فهو اندفاع صريح لتدعيم مشروعها الذي كانت فيه منذ البداية وأظهرته فيما يسمى الربيع العربي 2011.

هذه المنهجية المعقدة التي تسلكها السياسة القطرية كانت منذ بداية المقاطعة تحاول من خلالها البحث عن اختراق بين السعودية والإمارات.

وبالتوازي مع هذه المحاولة أظهرت قطر أيضا سياسيا وكذلك إعلاميا محاولة اختراق للعلاقات السعودية المصرية في عدة قضايا تبدو أهمها قضية الجزر في البحر الأحمر (تيران وصنافير) التي لعبت فيها قطر دورا عميقا لفتح فجوة بين الرياض والقاهرة.

وحتى مع فشلها، لم تتوقف المحاولات بافتعال أزمات تتعلق بقرار السيادة المصري، ومدى تأثير السعودية عليه في سياق مستدام لاختراق العلاقات السعودية المصرية.

السلوك القطري ظل في إيحاء ما يمكن أن يكون فرصة للمصالحة بحسب ما أشيع وليس هو الأول، فالقمة الخليجية سبقتها بأشهر قمة عربية وأخرى إسلامية في مكة المكرمة وكلاهما سبقهما تهيئة للأجواء لتتمكن قطر من تجاوز أزمتها.

لكن الدوحة لم تتخلّ عن سلوكها، وهو ما جاء أيضا في القمة الخليجية الأربعين عمليا، عبر تمهيد بزيارة سرية لوزير خارجيتها للرياض بحسب تسريبات إعلامية.

لكنها وبعد القمة بساعات، كانت الدوحة تبرم مع الأتراك عددا من الاتفاقيات الثنائية تعزز بها نفورها عن المحور العربي، مع استمرار تطاول إعلامها على مصر والإمارات.

توقيع الرئيس التركي وحكومة السراج في ليبيا مذكرتي التفاهم يعد منعطفا حادا في الشرق الأوسط، نظرا لما تمثله من مساس بالأمن القومي العربي وانتهاكا مباشراً للسيادة العربية.

وهنا عادت قطر مرة أخرى لتظهر بين ليبيا وتركيا كعراب لتمرير المشروع الأردوغاني، سواء في حرب غاز المتوسط أو في التلويح العسكري بالتدخل في الصراع الليبي، انتهاكا للقرارات الأممية بمنع تزويد الفصائل الليبية بالسلاح، فضلا عن التدخل المباشر في الصراع.

هنا نعود إلى النقطة الصفر في جدية قطر للوصول إلى حلول سياسية تخرجها من عزلتها، وهو ما يتطلب قرارا سياديا قطريا بالإقرار أن الحل لا يأتي عبر المناورات أو الاستفراد بدولة على حساب دولة أخرى.

فهل تمتلك قطر قرارها السيادي المطلق لقطع علاقاتها مع الجماعات والكيانات الإرهابية ومراجعة علاقاتها مع الإيرانيين والأتراك؟

الطريق إلى الرياض يبدأ في حقيقته بقطع طريق الدوحة مع أنقرة وطهران، وهذا قرار لا بد أن تتخذه قطر أولا لتذهب إلى الرياض.