أزراج عمر يكتب:
الجزائر: هل بدأ الحراك الشعبي في التفكك
بمجرد انتهاء الانتخابات الرئاسية وإعلان نتيجتها النهائية، بدأت وسائل الإعلام الجزائرية التابعة للدولة والتابعة للقطاع الخاص، في تلميع صورة الرئيس الجديد، عبدالمجيد تبون، بتقديمه للمواطنين الجزائريين كمنقذ من الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة وكزعيم يتمتع بمفتاح سيحل عقدة الحراك الشعبي الذي ما يزال يقلق السلطات الجزائرية منذ انطلاق شرارته الأولى في 22 فبرايرالماضي.
وفي الواقع فإن هذا النوع من الاختراع الإعلامي للقدرة الكلية للرئيس الجديد يتزامن مع بروز بعض مظاهر التصدع التي بدأ يعلن عنها أفراد محسوبون على الحراك الشعبي، وبعض أحزاب المعارضة، والملفت أن هذا الانحراف عن المواقف التقليدية للحراك بدأت نيرانه تمتد إلى النخب الثقافية التي تميزت في الغالب بالحياد، حيث كشف بعض المحسوبين على الساحة الأدبية والإعلامية الجزائرية عن سلوك داعم للنظام يتلخص في توجيه هؤلاء لرسائل حسن النية إلى الرئيس الجديد تبون. ما يعني في تقدير النشطاء في الحراك الشعبي الاعتراف به ضمنيا والاستعداد للانضمام إلى طاقمه في مختلف أجهزة الحكم إذا وافق على ذلك.
إلى جانب ما تقدم، هناك أيضا تهديدات خطيرة أخرى على وحدة الحراك الشعبي منها خطر احتكار زعامة الحراك الشعبي بطرق ملتوية من طرف أشخاص معروفين يظهرون في القوائم التي تعد في الكواليس وتوزع في وسائل التواصل الاجتماعي، وهدف هؤلاء هو السيطرة على تمثيل الحراك والتموقع لتحقيق أغراض شخصية.
هناك أيضا خطر الخطوات التي قام بها نشطاء محسوبون على الحراك نفسه وشكَلت انقلابا حقيقيا في مواقفهم السابقة، وتوّج هذا الانقلاب بالإعلان عن تشكيل المنتدى الوطني للحراك الشعبي دون اتفاق جميع مكونات الحراك، وقد عرف هذا الإعلان تطورا دراماتيكيا حينما أعلن أعضاء هذا المنتدى عن استعدادهم للحوار مع الرئيس عبدالمجيد تبون بالتوازي مع إعلان بعض رؤساء أحزاب المعارضة عن استعدادهم للقيام بنفس الشيء.
ويفسر الملاحظون السياسيون أسباب بدايات الانقسام داخل مكونات الحراك بعدة عوامل منها فشله في فرض المرحلة الانتقالية وبسط سيطرته على حكومتها وعلى مختلف المؤسسات السياسية والاقتصادية المحورية، وتناقض الأهداف وغياب الوحدة الفكرية والعقائدية لدى فسيفساء الحراك الشعبي، واختراق النظام الجزائري لصفوفه، وعدم اتخاذ الانتفاضة الشعبية لإجراءات جدية بموجبها يتم وقف تمرير الانتخابات الرئاسية التي جرت حسب السيناريو الذي رسمه لها النظام الجزائري، وعدم تشكيل تنظيم عصري للحراك الشعبي له قيادات منسجمة ومتكاملة في المدن والأرياف. والظاهر أن هذه العوامل قد أدت مجتمعة إلى توليد رجات نفسية لدى مكونات الحراك وأفضت إلى بروز نزعة التدمير الذاتي التي بدأت تفرز انشطار مكوناته.
على ضوء هذا، يرى عدد من المحللين السياسيين أن المواقف المتناقضة التي صدرت عن عدد لا يستهان به من الناشطين في الحراك الشعبي قد تؤدي خلال الأيام القادمة إلى نتائج وخيمة بسبب التصعيد المنتظر للصراع بين المكون الرافض للحوار قبل تغيير بنية نظام الحكم برمتها ورحيل ما تبقى من رموزه عن المشهد السياسي الجزائري، وبين المرحبين بدعوة الحوار التي تقدم بها عبدالمجيد تبون فور الإعلان عن فوزه بالانتخابات الرئاسية وقبل تنصيبه رسميا. وفي هذا الصدد يعتقد العارفون بتعقيدات الوضع الجزائري أن أي تطور سلبي لهذا الصراع بين نشطاء الحراك سوف يسفر عن إجهاض الانتفاضة الشعبية التي استمرت 42 أسبوعا كاملة وبذلك سيسقط مشروع إنجاز التحول السياسي وإرساء الدولة الجديدة في الجزائر.
الملفت للنظر أن الحراك الشعبي بكل فصائله لم يقدر حتى هذه اللحظة أن يذهب بعيدا عن عتبتين اثنتين، وهما عتبة التخلص من العهدة الخامسة للرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وجماعته، وعتبة الضغط السلمي على مؤسستي الجيش والعدالة لمحاسبة فئة قليلة من رجال الأعمال الفاسدين وقيادات النظام الحاكم الذين تورطوا في نهب أموال الشعب وتحطيم مؤسساته المختلفة. ويبدو أن النظام الجزائري قد تمكَن من الإبقاء على الجزء الأكبر من رموز النظام نفسه في سدة الحكم على نحو جعل آلية المحاسبة التي يديرها بطريقته الخاصة مجرد مسرحية انتقائية يتلخص الهدف منها في إنقاذ النظام نفسه ورسكلته ثم فرضه مجددا.
في هذا الخصوص نجد الفصيل الذي يتمسك بمواصلة الضغط السلمي حتى تحقيق مطالبه يحذر من مغبة الدخول في الحوار غير المتكافئ مع رجال النظام، وبين الحراك الذي لا يملك إلا الساحات التي يتظاهر فيها أسبوعيا، حيث يؤكد هذا الفصيل أن هذا النمط من الحوار سوف يبطل الهدف الرئيسي المتمثل في التغيير الجذري لبنية النظام ورموزه على مستوى مراكز السلطة وفي الجزائر العميقة، مما سيمكن، في تقدير هذا الفصيل، النظام من تحقيق ما عجز عن تحقيقه بوتفليقة وجماعته وهو تقسيم الحراك الشعبي ثم إخماده.
يلـمح النظام الجزائري إلى أن الحوار الذي يريد فرضه يهدف إلى بناء ما يدعوه تبون بالجمهورية الجزائرية الجديدة، ولكن حقائق الواقع تقدم صورة أخرى للأهداف المسطرة والتي تتلخص في مقايضة قبول الحراك الشعبي بهذا النمط من الحوار بإشراك عناصر منه في الحكومة المقبلة، الأمر الذي يعني استخدام جزرة الحقائب الوزارية في الحكومة والمناصب في البرلمان ومجلس الأمة والمجلس الدستوري والمجالس العليا والسلك الدبلوماسي وغيرها من المناصب في الدولة كطعم لمسح الحراك الشعبي من المعادلة السياسية، وفرض الأمر الواقع على أحزاب المعارضة التي بدأت تشهر قبولها للحوار طمعا في نيل نصيبها من كعكة المناصب