نورا المطيري تكتب:

أن تكون أولاً

تلقّت دعوة لحضور حفل هام، الدعوة كريمة في العاصمة الرياض، بل في موسم الرياض، بحضور جميع زملائها ورئيس تحرير الصحيفة التي تكتب فيها، ورئيس مجلس إدارتها، وجمع غفير من الضيوف الأكارم، وتلقت في ذات الوقت، طلباً يستلزم ذهابها الفوري إلى عاصمة عربية! باغتتها مشاعر مختلفة، فالحفل يحمل عنوان «أن تكون أولاً»، وهي تريد أن تكون أولاً، دائماً، فماذا تفعل؟

منذ شهور فقط، انضمت إلى قافلة كتّاب صحيفة «عكاظ»، كانت مهتمة جدّاً للكتابة في صحيفة عربية عريقة ورقية بحجم «عكاظ»: ستون عاما من التألق المهني الملفت، مدرسة صحفية أنتجت مع مئات الآلآف من الموضوعات المهمة والعميقة، التي تمس حياة الإنسان بصورة مباشرة، في السعودية والخليج والوطن العربي، أنتجت أيضاً المئات بل الآلاف من الصحفيين المتمرسين الخبراء الذين أصبح كل منهم مدرسة لوحده، وهاهي تقطف تلك الثمار، من قلب ذلك الوهج، وتحجز لنفسها زاوية ميثولوجيا سياسية.

الأمر لم يكن هينا، هناك الآن نخبة من أعرق وأفضل كتاب الخليج العربي يكتبون في «عكاظ»، يتنافسون على كل موضوع أو طرح، بالبحث والتشريح، يتنافسون على كل قارئ ومهتم، يتواجدون في النسخة الورقية ويتسابقون على مواقع التواصل الاجتماعي، منافسة شريفة بالطبع، بدأت بينها وبين الأستاذ أحمد الشمراني، الإعلامي الرياضي الخطير، جدّاً، فأثار جنونها بموضوعاته التي تخترق صفوف الشباب وتعصف بمشاعر عشاق الرياضة، ودخلت معه في تحدٍّ علني، أن يكتب سياسة وأن تكتب هي رياضة، ثم وجدت معظم زملائها في قالب تلك المنافسة الشرسة، فضاعفت جهودها وتركيزها.

حطت رحالها في الجنوب، وأخذت على نفسها عهداً بدعم توجه المملكة في تحقيق مصالحة بين الشرعية اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، منذ ما قبل حوار جدة، وصولاً إلى ما بعد اتفاق الرياض، وعهداً أوثق، لدعم تماسك التحالف العربي العظيم، والاستمرار بكشف مؤامرات الإخوان المسلمين، الذين تحالفوا ضد كل ما يمثل العروبة الأصيلة، فقالوا عنها مشاغبة، متمردة، وصفوها بالبسوس وسجاح، وطالتها أبشع الأوصاف، ولكنها وجدت من زملائها ورئيس تحريرها، الجميل الذيابي، حماية وتشجيعاً منقطعي النظير.

عادت لتقرأ الدعوة لحفل «عكاظ» بحلة جديدة، بحثت هنا وهناك، وجدت نوايا بتحوّل «عكاظ» من النسخة الورقية إلى النسخة الرقمية، حاولت أن تفهم، كانت تظنُّ أن الصحافة الإلكترونية عموماً، في الوطن العربي، ما زالت تفتقد المصداقية والموثوقية، شعرت بالخوف، رأت لقاءً مع رئيس التحرير في بودكاست «عكاظ» الجديد، قالها صراحة: «لست مفتوناً بالحبر»، يا ويلي! ماذا سيحدث؟

اجتمعت مع أحد خبراء الإعلام العربي، سألته عن تحول الصحف الورقية إلى الرقمية، قال لها: «هناك فرق كبير بين صحيفة ورقية عريقة تتحول إلى رقمية، وبين مواقع إلكترونية تدّعي أنها صحفية، المسألة في قدرات المطبخ الصحفي، فالورقية لديها فريق كبير من المؤهلين، صحفيين ومحررين وإداريين، يبذلون جهوداً جبارة، في ميدان مهنة المتاعب، للوصول إلى منابع ومصادر الأخبار، والحصول على المعلومة وكتابتها وتحريرها، فالتحول هنا لا يقلل من شأن أصالة المعلومة وطرق تحضيرها المهنية، بل في طريقة توصيلها فقط، واليوم هو يوم التحول العالمي إلى المعلومة الرقمية؛ لأن الفئات والشرائح المستهدفة الآن، كلهم على الإنترنت».

شعرتْ بالارتياح، ومع أنها ذهبت لتلبي الطلب الفوري المهم، لكن عقلها وروحها وشغفها في بوليفارد الرياض، دقيقة بدقيقة، وكأنها موجودة هناك، فصاحبتْ رقمياً كل ما حدث وقيل في حفل الحلة والهوية الجديدة لـ«عكاظ»، فرحتْ بالانطلاقة القوية الجديدة، والزخم الإعلامي الناجح الذي رافقها، سمعت الجميع وهو يتحدث عن «عكاظ» التي أصبحت أيقونة الصحافة الخليجية، وباتت منبراً عالمياً منافساً لصحف العالم العريقة، ورقية أو رقمية، بالحبر أم بـ«كي بورد»، فشعرت بمسؤولية مضاعفة، وقررت «أن تكون أولاً».