يوسف الديني يكتب:

اجتماع إردوغان والملالي: كيف وقعت ماليزيا في الفخ؟!

لم يكن مفاجئاً هذا السعي المحموم من قبل نظام ميليشيا الملالي، القائم على تصدير الثورة ورعاية الإرهاب، ومشروع إردوغان السياسي بحثاً عن خلافة متوهمة، في محاولة مغامرة سياسية جديدة لاستهداف دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية، عبر الاستثمار في السوق السوداء للسياسة، من خلال المقامرة في «الشعارات»، وليست الممارسة التي تعبر عن منطق الدولة في القضايا الخارجية المتصلة بوضعية العالم الإسلامي، وصعود موجات التمييز ضد المسلمين بسبب هذا التوظيف الانتهازي لقضاياهم، من فلسطين إلى كشمير، وصولاً إلى محاولة الضغط على القوى الغربية، من خلال تكنيك المظلومية «العالمثالثية»، وهي أدوات لا تنفذ إلى جوهر نقد الوضع، وإنما تقف على تخوم استغلاله وتكراره بأجندات عاطفية وشعاراتية، سرعان ما تذهب أدراج الرياح مع أول أجندة دبلوماسية تتصل بالمجتمع الدولي، أو المؤتمرات التي تكون فيها الأطراف الغربية، أو حتى دول الاعتدال، طرفاً فيها.

فتوظيف الشعارات ليس المقصود منه البحث عن حل لأزمة الأقليات في كشمير، المحرك الرئيسي لاستقطاب دول شرق آسيا، واستثمار أزماتها السياسية ذات الصلة بالعامل الديني؛ بل توظيف تلك الأزمات التي تعبِّر عن تحولات ضخمة في هوية الدول العلمانية تجاه التعامل مع الأقليات الدينية الحرجة، كالتي تعيش على الحدود مع دول ذات نزاع سياسي، وليست وضعية المواطنين المنتمين للدولة ممن يدينون بالإسلام.

هذا التوظيف هو المعادل الموضوعي المقلوب لتوظيف الأقليات الشعبوية الهندوسية الصاعدة بزعامتها السياسية، التي تدرك أن استخدام عامل «فزاعة» الأقليات المسلمة المهددة للمجتمع، هو أسهل الطرق إلى الفوز بالانتخابات والاستحقاقات الكبرى، وهو ما استنكرته قوى سياسية محلية غير مسلمة وغربية وعالمية.

وكانت المملكة ودول الخليج والاعتدال في مقدمة من طالب بصيغة توافقية للسلم المجتمعي، مستخدمة الأدوات المشروعة للدبلوماسية المشتركة، وليس سلاح الشعارات والكلمات الجوفاء، التي أدرك العقلاء في باكستان أنها ليست سوى مجرد استغلال لهم، وهو الأمر ذاته الذي أدركته القيادة السياسية في إندونيسيا.

كما أن الارتباك في البيان الرسمي المنشور على موقع وزارة الخارجية الماليزية، يؤكد أن هذه القمة التي تصر ماليزيا على أنها مصغَّرة وغير محصورة في الأعضاء، لا تحاول انتزاع أي سيادة لمنظمة إسلامية أو دولة مؤثرة، مع تفهمها لرفض السعودية، ويدل على أن الدكتور مهاتير محمد وقع في فخ نصبه له تجار الأزمات باسم نصرة الإسلام، وهو ما لقي معارضة شرسة من قبل الفاعلين السياسيين في ماليزيا، تجلت في تصريحات رئيس مجلس الإدارة الماليزي وي كا سيونغ، التي طالب فيها الدكتور مهاتير بالتوقف عن الإساءة إلى القوى الدولية الكبرى، والسعودية بشكل خاص، لا سيما في مثل هذا التوقيت الذي تعيش فيه ماليزيا، وما وصفه بحالة «اللايقين» الاقتصادي.

وي كا سيونغ قال بصراحة، وأقتبس منه خطابه: «مهاتير أساء إلى السعودية والهند، وأدلى بتعليقات غير معتادة أو مألوفة في العرف السياسي تجاه الولايات المتحدة»، مؤكداً أن «العالم اليوم يختلف تماماً عن 20 سنة مضت، فالشعارات والحديث المرتجل والكلام غير المسؤول الذي يسيء إلى الدول الكبرى، سيؤثر دون أدنى شك على بلادنا».

أول تلك التأثيرات استدعاء مبعوث ماليزيا من قبل الهند للتعبير عن احتجاجها. ومع ذلك تعاملت السعودية بدبلوماسيتها الصريحة والواضحة، دون تشغيب تتقنه الدول التي يتجاوز تأثير قنواتها الإعلامية التحريضية قدرتها على اجتراح سياسة خارجية عاقلة؛ حيث لفت الموقف السعودي نظر المسؤولين الماليزيين إلى أن المملكة تعمل ضمن أطر وقنوات المؤسسات ذات العلاقة، ولا يمكن التعامل مع قضية بحجم الأزمة في كشمير عبر القفز وتجاهل منظمة العالم الإسلامي.

بعبارة أخرى: لا يمكن اختزال العالم الإسلامي بدوله في كل القارات في أعضاء اليد الواحدة التي يلوح بها إردوغان كل مرة، حين تأخذه الـحماسة الخطابية.

هذا الموقف الهادئ والعقلاني من السعودية، حدا برئيس مجلس الإدارة الماليزي إلى اعتبار أن ماليزيا قد وقعت في كارثة دبلوماسية لا حدود لها، وهو ما ألقى بظلاله على بيان الخارجية الماليزية المرتبك، الذي بدا كمنشور اعتذار أكثر من كونه بياناً عن القمة المصغرة حجماً وتأثيراً. جاء في البيان: «يود الدكتور مهاتير تصحيح بعض المعلومات الخاطئة، فالقمة ليست منبراً لمناقشة الدين؛ بل لمعالجة حال الأمة المسلمة».

لكن اللافت اعتذار الدكتور مهاتير عن سبب كونها مصغرة بقوله: «متابعة هذه الركائز والأهداف بمجموعة كبيرة جداً سيجعلها غير عملية، وقد تفشل حتى قبل أن تبدأ. اختيار الدول الرئيسية هو للأهداف المحددة؛ لكن القائمة ليست شاملة»، بحسب نص بيان الخارجية.

وفي الحقيقة أنها فشلت قبل أن تبدأ، ليس لأنها لم تشمل مجموعة كبيرة من الدول الإسلامية؛ بل لأنها اقتصرت على حلف الشعارات ورعاية التطرف والمنظمات الإرهابية، التي تهدد اليوم دول شرق آسيا، ماليزيا وإندونيسيا وغيرهما، أكثر من أي مكان آخر، بعد حالة الهجرة التي تعيشها كوادر التنظيمات الإرهابية.

هي قمة الأنظمة السياسية المؤدلجة التي لا تعبر عن تطلعات شعوبها؛ بل تطمح إلى تدشين مشروعات تقويض استقرار الدول الإسلامية، عبر كيانات سياسية ذات أهداف توسعية، من إردوغان إلى الملالي، ومن يتبعهم بحثاً عن دور، ولو بتبني شعارات نصرة الأمة الإسلامية وأقلياتها، والتي لا يمكن أن تحقق هذا الهدف بدعوة شخصيات سياسية على هامش القمة، من المصنفين على قوائم الإرهاب، كما أنها لا يمكن أن تستغل ما يحدث في الهند، وهو بالطبع يتم قراءته بشكل مغلوط باعتباره حرباً على الإسلام، وليس تحولاً خطيراً ومرفوضاً في المزاج الهندي السياسي الشعبوي الصاعد، واستثماره لكتلة إسلامية على الحدود، مطالباً إياها بإعادة تدقيق مستندات الهوية الوطنية، وهذا ما يجعلنا نفهم هذه الانتهازية، حين غاب عن ذاكرة الدكتور مهاتير، أي ذكر لقضية الأويغور في الصين.

القمة المصغرة كانت صغيرة في وعيها السياسي بالجيوسياسية، أو بحسب تعبير أحد المعلقين السياسيين الهنود، ممن يرفض مع كونه مسلماً هذه الانتهازية، كانت جهلاً بالأوزان الحقيقية لدولة بحجم السعودية، على المستوى الجيوسياسي والديني والاقتصادي، كما هو الحال مع بقية الدول التي تم تجاهلها من حلف الشعارات!