عمر علي البدوي يكتب:
الخليج العربي على مشارف العام الجديد
يحمل الخليج في ضفته العربية، استبشارا بالعام الجديد المطل قريبا، والكثير من الفرص الواعدة والأمل المعقود على قائمة من المناسبات المهمة التي تنتظره، رغم سحب التحديات التي تلبّد سماءه وتزاحم فضاءه، وتلمع من بينها بروق التعطيل التي تضخّها قوى الشر ومحاور الضرر التي تتربص بالمنطقة وتترصد لها.
لكن الخليج يهمّ باختراق السحب الحبلى بالمعوقات، ولا يلوي على التوقف عن الأمل في صناعة الغد المشرق بالتطلعات والمكتظ بالأحلام. الأمل بدأ ينحسر في الكثير من الدول المحيطة، وقد تراجع في نفوس شعوبها، وجعل خارطة تلك الدول قابلة للانهيار من الداخل، في شكل تظاهرات واحتجاجات بدأت ولم تنته، وعجزت الحكومات عن القيام بواجباتها التقليدية وتعطلت عن تقديم الحد الأدنى من أدوارها، فضلا عن تبنّي مشاريع الأمل المفتوح على نحو ما يحدث اليوم في الخليج.
مستصحبا التحديات المحتملة، يستمر التحالف السعودي الإماراتي في إبرام شراكته في العديد من الملفات المنتظرة، متكئا على إرث أخذ ينمو ويتطور من النجاحات المشتركة، تكسوها علاقة ودّ مغروزة في نفوس المجتمعين قبل القيادتين، تحفّ هذه العلاقة وتعضدها في شكل نسيج جديد على الثقافة والتاريخ العربيين، على أمل أن يتسع هذا الحلف بانضمام عدد من العواصم العربية المهمة والمؤمنة بحسن نوايا الرياض وأبوظبي تجاه المسألة العربية التي كانت عرضة خلال السنوات الماضية للكثير من ابتزاز الجيران الأقارب والأباعد.
تتعدد الجغرافيات التي تؤثر فيها مفاعيل هذا التحالف الوثيق، لكن اليمن هو المسرح الرئيسي الذي يربطهما ويجمعهما على همّ واحد، والأفق اليمني موعود بحل نهائي يخلص حالة الحرب ويضمن خروجا آمنا للبلد من قبضة الميليشيا الانقلابية، ويلقى هذا المجهود السلمي كل الدعم من المجتمع الدولي، في ظل السعي للحد من الدور العبثي للجمهورية الإيرانية التي تكابد مرحلة عسيرة من عمرها الأربعيني.
ولعل الخليج بحاجة ملحّة لإغلاق الملف اليمني بالنظر إلى الاستحقاقات الاقتصادية والتنموية المهمة في أجندة العام الجديد، وتهدد هذه الفرص الواعدة بشظايا الملف اليمني الذي تريد الميليشيا الانقلابية أن يستمر جرحا مفتوحا ونازفا، لكن إرادة الرياض وأبوظبي ستدعم يمنا آمنا تشارك كل الأطراف في صياغة مستقبله وحماية هويته العربية التصالحية والعريقة.
يشكل العام الجديد المشارف على الحلول أهمية لدى السعودية، بوصفه محطة وصول البرنامج الوطني للتحول في مرحلته الأولى، وطريقا لقياس درجة جدوى العمل على بلوغ العام 2030 على أساس رؤية المملكة الناهضة. وسيكون الوصول إلى هذا العام فرصة لتعميق مراجعة الجهد والأداء، ومراكمة بعض المنجزات التي تحققت على نحو لافت في الحسابات المحلية والدولية، وآخرها تخطي السعودية 72 مرتبة عالمية لتصبح الدولة الأولى في العالم من حيث سهولة أداء الأعمال في مؤشر التجارة العابرة للحدود لتقرير أداء الأعمال 2020 الصادر عن مجموعة البنك الدولي.
من جهتها أطلقت دولة الإمارات، أكبر استراتيجية وطنية إماراتية لعام 2020 الذي سمّته عام الاستعداد للخمسين عاما من عمر الدولة والتركيز على التخطيط في توسيع طموحات الدولة المتجددة، برؤية رشيدة، تدفع الإمارات لدخول مرحلة تاريخية بعزم وإرادة.
كما أن دول الخليج مجتمعة، ستكون مقبلة على مناسبات عالمية كبرى ستجعلها محط أنظار العالم، فمن رئاسة السعودية لمجموعة العشرين، إلى إدراج أكبر شركة مساهمة بالعالم، أرامكو، بسوق الأسهم السعودية، إلى حدث إكسبو التي ستستضيفه دبي المبهرة.
كل هذه المناسبات العالمية ستصب في صالح المنطقة، وتعزز الدور المحوري للكتلة الخليجية في الواقع العربي والدولي وتزيد حظوظها في التأثير ودعم رؤيتها للاستقرار والاستمرار.
بهدوء، تحتفل البحرين من تعافيها الكامل من تبعات الاهتزاز المفتعل الذي نشب على أراضيها قبل عقد من الآن، ويحمل العام الجديد وعدا بمواصلة مشوار التنمية الصبورة والتطور الوئيد، مدركة خطورة وحجم التحديات الأمنية التي تساور محيطها من تأثير الطامعين التقليديين بالمنطقة، ولكن مسافة التنمية تردم الفجوة وتدفع البلاء وتعمّق الثقة المتبادلة.
وعلى أرضها ستُعقد القمة الخليجية للعام الجديد، بعدما نجحت القمة الأربعين بالرياض بإبقاء شعلة الأمل، وإصرار القادة والزعماء على ضرورة الحفاظ على هذا الكيان الذي جددت التحديات الطارئة من ضرورته وفعاليته، رغم الطريق الطويل المنتظر لإنهاء أزمة قطر، ولاسيما مع استمرارها في التظاهر بالأقوال واقتراف الأفعال المتناقضة، والتي تزيد من كلفة العودة عليها وتشقّ على الوسطاء مهمتهم النبيلة.
وفي الكويت يبدو قرار إعادة النظر في شكل الحكومة وروح العمل الرسمي ضروريا بعد أن كاد يصل إلى مرحلة انسداد ومفترق طرق، لكن حكمة أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أنهت كل التكهنات التي كانت تحوم فوق سماء البلد.
وبشأن المحيط الإقليمي للخليج، فإن إيران وتركيا اللتين ناصبتا المنطقة العداء، تعيشان في أضيق مراحلهما التاريخية، بعد أن توسعتا أكثر مما تطيق قدراتهما وتمدد عبثهما في عدد من الجغرافيات العربية المتناثرة، ومع ذلك يبقى الخليج معنيا بالانتباه إلى حركة هاتين الدولتين، ولاسيما على الأراضي القطرية التي تستضيف رموزهما وتبسط لهما المنصات والشاشات لبثّ سردياتهما المغرضة، وتمكينهما من استهداف الرأي العام الخليجي، بما يفاقم من عزلة قطر وينأى بها بعيدا عن شواطئ الخليج، ويضاعف من انغماسها في خياراتها الانفصالية التي ستؤول إليها بكثير من المشقة والعنت والنتائج المخيبة.
وفي كل الأحوال، سيكون هذا واحدا من عوارض الطريق الذي يشقه الخليج نحو مرافئ المستقبل والأمل المعقود على مشارف العام الجديد وفي متون الغد المنتظر والمحتمل لشعوبه ودوله وقياداته.