إميل أمين يكتب:
2020.. شرق أوسط على صفيح ساخن
على عتبات العام الميلادي الجديد يتطلع أي محلل سياسي محقق ومدقق في شأن الأحداث الدولية إلى استشراف حال ومآل المنطقة المهموم بها، وفي حالنا هذا تبقى منطقة الشرق الأوسط الأكثر التهاباً، والسؤال على الألسنة إلى أين تمضي وقد سلمتها 2019 إلى العام الجديد وهي تغلي على صفيح ساخن؟
يحل العام الجديد وطاعون العصر أي الإرهاب لا يزال متفشياً في المنطقة، والمواجهة مع الأفكار الإرهابية تبقى معركة غير محسومة بعد، وعليه يخشى الكثيرون أن يكون العام الجديد منطلقاً لعودة مقنعة لإرهاب داعش وقاعدي، ومهما تغيرت الأسماء.
يخشى المرء من أن يكون الخرق قد اتسع على الراتق، وأن تكون هناك وراء الأكمة ما وراءها من أحداث مزعجة، لا سيما أنها منطقة لم تهدأ فيها الثورات والفورات الأخيرة، وطالما بقيت ذيول جماعات الإسلام السياسي، فإنها حكم لن تعرف الاستقرار الداخلي في وجود طوابير خامسة وليس طابوراً واحداً.
من أين يمكن للمرء أن يبدأ حديثه؟
ربما من عند آخر واهم التطورات الكفيلة بأن تنزع سلام المنطقة وتشيئ بحرب جديدة إقليمية، ونقصد بذلك المواجهة الأمريكية الإيرانية، وما يمكن أن تجره على العالم والمنطقة من ويلات.
لا دالة لإيران على السلم أو التعايش المشترك مع جيرانها، إنها مدفوعة بدافع قسري مهلك، يجعلها تمضي في طريق الصدام في الزحام والاحتكاك في الظلام، ولعل اغتيال قاسم سليماني قبل نحو يومين لهو اختبار جديد لنوايا إيران وما تشتهيه، والجميع ينتطر ردات فعلها وهل ستسعى كما يهدد قادتها إلى انتقام يزيد من ردة الفعل الأمريكية التكتيكية، ما يعني أننا عند لحظة بعينها سنجد أنفسنا أمام مواجهة شاملة لا تبقي ولا تذر؟ ثم من يضمن ألا يتحول الصراع إلى مواجهة أممية في منطقة مليئة بالنفط والغاز، وهناك من أسف الكثيرون الذين يحملون أعواد الثقاب، ويتطلعون لإشعال الكل دفعة واحدة؟
على مشارف العام الجديد تجد المنطقة ذاتها في دوامة عنف جديدة تجذر لها مطامع اقتصادية وجذور تاريخية، ونعني هنا بتطورات المشهد التركي الليبي، لا سيما بعد قرار البرلمان التركي إرسال جنود أتراك إلى ليبيا.
القصة طويلة ومعقدة، والإقليمي فيها يتقاطع مع الدولي، والأطماع التركية التاريخية العثمانية في المنطقة قائمة منذ عقود طوال، أضف إلى ذلك أن هناك ثأراً جديداً من قِبل أردوغان، السلطان المنحول ناحية مصر، التي أفسدت مشروعه الخلافة الثانية للعثمانيين من خلال حصان طروادة المتمثل في الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.
ما الذي يريده أردوغان من منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط؟
الإجابات متعددة، وربما متصلة بعضها ببعض، فمن جهة يبدو من الواضح أننا أمام محاولة نشوء وارتقاء جديدة للدواعش، أولئك الذين بدا أردوغان واستخباراته في نقلهم من سوريا إلى تونس ومنها إلى ليبيا، والبعض الآخر إلى ليبيا مباشرة.
هل يعمل أردوغان لصالحه أم أنه رأس حربة لقوى دولية كبرى تخطط لجعل القارة الأفريقية موقعاً وموضعاً في العام الجديد لبداية تنفيذ خطة اختراق؟
الإجابة سترد عما قريب، وإن كانت الدلائل تشير إلى أن شيئاً مريباً يجرى سريعاً يدلل عليه الصمت الدولي والتعليقات الخجولة التي تفتح أبواب الشكوك على مصراعيها.
وفي كل الأحوال يبدو أن الشرق الأوسط مقبل ولا شك على حروب من جراء محاولة تهديد الأمن القومي العربي من قبل تركيا، ومن يقف وراءها، إضافة إلى عنصر الطاقة في المتوسط، الذي يغري أردوغان بالنفاذ إليه من كعب أخيل الليبي.
من بين الملفات الشرق أوسطية المؤلمة ما يجري في اليمن حتى الساعة، فلا يزال الحوثيون يمثلون جرحاً نازفاً في الجسد العربي، وها قد مر أكثر من عام على اتفاق ستوكهولم ولم يتغير شيء على خارطة الأحداث، بل يبدو العناد هو سيد الموقف، وأخطر من ذلك تبقى التبعية لإيران هي البوصلة الموجهة للقرار الحوثي، ومع تعقيدات المشهد الأمريكي الإيراني، يضحى من الطبيعي أن يتخيل المرء إعادة استخدام العصا الحوثية لتعطيل دواليب الحياة في المنطقة برمتها، لا سيما ما يخص الملاحة في البحر الأحمر، الأمر الذي يهدد اقتصادات العالم برمتها.
يمضي 2020 في مساراته السياسية ومساقاتة التاريخية وسوريا غير مستقرة، بل تتنازعها الأهواء ويقتسمها الخصوم قسمة الغرماء، ولا تظهر هناك أدلة في الأفق على عودة سوريا دولة قوية موحدة، وهذا أمر طبيعي فعندما تسيل الدماء تتعذر المصالحة كما يقال، وقد سالت على الأراضي السورية دماء غزيزة كثيرة.
على مشارف العام أيضاً تبقى القضية المركزية للعرب كما هي بدون أي تقدم حقيقي، ونعني بها القضية الفلسطينية، فها هي ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولى توشك على أن تنتهي من غير أي تطلعات إيجابية خلاقة لإنهاء النزاع، بعد أن اعتبر أن رئاسته ستكون الحد الزمني الأقصى لإيجاد صفقة سلام، ومن الأسف فإن الصفقة التي يتم الحديث عنها لا علاقة لها بالسلام من قريب أو وبعيد، بل تكاد تكون صخرة تتحطم عليها آمال السلام مرة وإلى ما شاء الله.
وفي هذا السياق عينه يشك المرء أن يكون الرئيس ترامب هو وسيطا نزيهاً انطلاقاً من إجراءات عديدة قام بها لا تصب أبدا في صالح إيجاد حل عادل للقضية، وفي المقدمة منها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها.
يحل العام الجديد وطاعون العصر أي الإرهاب لا يزال متفشياً في المنطقة، والمواجهة مع الأفكار الإرهابية تبقى معركة غير محسومة بعد، وعليه يخشى الكثيرون أن يكون العام الجديد منطلقاً لعودة مقنعة لإرهاب داعش وقاعدي ومهما تغيرت الأسماء.
ما الذي يحتاجه الشرق الأوسط في العام الجديد؟
حكماً إلى المزيد من الأمن والأمان، السلام والاطمئنان، التعايش المشترك وقبول الآخر، غير أن هذه جميعاً تكاد تبدو أحلام يوتوبية في عالم يتحرك جيوبوليتيكيا، فيه خرائط سياسية جديدة ترسم، وتقسيمات جغرافية تنشأ، ودول تولد من رحم الصراعات والحروب.
لكن هذا لا يعني الاستسلام، بل إنه الوقت القيم الذي ترتقي فيه أفكار الإبداع للتوصل إلى حلول جديدة، وأفكار مغايرة، ناهيك عن الحاجة إلى مزيد من الوحدة العربية وتوحيد الجهود في مواجهة الأخطار القئمة والقادمة دفعة واحدة