مشعل السديري يكتب:
المستجير من الرمضاء بالنار
الانتحار، الله لا يكتبه على أي إنسان، هو قمة اليأس الذي لا قبله ولا بعده.
وظهر تقرير غريب يؤكد أن واحداً من أصل كل 16 جراحاً أميركياً يفكر في الانتحار، وأن عدداً قليلاً منهم يطلبون مساعدة اختصاصيين في الصحة النفسية.
ونقل موقع «هيلث داي» الأميركي عن باحثين حللوا مسوحاً إحصائية شملت 7905 أعضاء في نقابة الجراحين الأميركيين أن 501 من هؤلاء فكروا فعلاً في الانتحار - خصوصاً المطلقين منهم - فهم يفكرون في الانتحار بنسبة مرة ونصف إلى ثلاث مرات أكثر من الأشخاص العاديين.
وخلص التحليل أيضاً إلى أن الزواج والأطفال يخففون من خطر التفكير في الانتحار لدى الجراحين. وبيّن التحليل أن 130 من الجراحين الذين فكروا في الانتحار بالولايات المتحدة العام الماضي لجأوا إلى طبيب نفسي للعلاج.
وقد أتفهم حالة أي جراح وهو يخوض في هذه العمليات التي هي أقرب ما تكون إلى الموت، ولكن كيف أفهم حالة من انتحر حزناً على كلبه عندما أبلغه الطبيب البيطري أن كلبه يعاني من مرض مهلك لا شفاء منه.
وعثر فيما بعد على ستيف أندرسون، وهو يعمل سائق شاحنة، مشنوقاً تحت شجرة إلى جانب جثة كلبه، مع ورقة مكتوب عليها: لقد انتحرت بعد أن وجدت أن حياتي ليس لها طعم ولا معنى ولا هدف، بعد أن فقدت كلبي الحبيب كولي، ووصيتي أن يدفن ويوضع معي في نفس التابوت.
وقالت زوجته السابقة وطليقته: كان الكلب يمثل حياته، وأصبح بمثابة عائلته الجديدة، إلى درجة أنه كان ينافسني في الفراش، وكان يأخذه معه إلى كل مكان حتى إلى العمل - انتهى.
غير أنهم للأسف لم ينفذوا وصيته، ولكنهم وضعوا فقط صورة كلبه على رخامة قبره.
أما أعجب عملية انتحار فأقدم عليها رجل من تايوان في العقد السابع من عمره، وانطبقت عليه مقولة: (كالمستجير من الرمضاء بالنار)، وذلك عندما حذره رجل مشعوذ يدّعي النبوة، من أن نهاية العالم باتت وشيكة ولم يبق عليها سوى ثلاثة أيام.
فما كان من الأهبل إلاّ أن يفتح النافذة ويلقي بنفسه من الدور الخامس، ويسقط وليس في عينه قطرة واحدة - يعني مات - مع أنه لو عرف أن (الموت مع الجماعة رحمة) مثلما يقولون، لما تسرع، ولو أنني كنت في مكانه لهلّلت وأخذت أدبك من شدّة الفرح ليوم القيامة، لأن الموت في هذه الحالة ليس مع الجماعة فقط، ولكنه مع كل البشر والكائنات جميعاً.