عمر علي البدوي يكتب:

نقاط الجبير على حروف بروكسل

زار وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير البرلمان الأوروبي، ليلقي المزيد من الضوء على جهود السعودية في بعض ملفات المنطقة ويفك اشتباك الفهم المعقد لأدوارها وخياراتها، تحت قبة واحد من أهم البرلمانات المؤثرة في العالم، في سياق سعي سعودي جاد لدعم مسيرة المملكة لإرساء دعائم الاستقرار في منطقة طالما استنزفتها الفوضى واعتلال الميزان، ولتعميق فكرة أن الدور السعودي، رفقة جيرانها المعتدلين، حيوي في إعادة ضبط الاستقرار وتوثيق عراه ودعم بناه رغم كل الصور النمطية وجهود التشويه التي تغرز دعاياتها المغرضة وتحقن أذهان الشركاء الدوليين حول العالم.

التقى عادل الجبير بأعضاء لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان الأوروبي في بروكسل. وكان الحديث فرصة للاستماع إلى وجهة نظر واحدة من عواصم المنطقة المحورية، وهي تمد يدها إلى العالم لإخراج الشرق الأوسط من عتمته، وتبديد سحب القلق التي تخيّم في أفقه وتحجب عنه الرؤية المستقبلية السديدة.

كان حديث عادل الجبير أمام اللجنة الخارجية في البرلمان الأوروبي حازما في بعض المواطن التي تطلبت جدية في الطرح وقطعا مع كل أفكار الوصاية الفجّة التي لا تزال تسكن بعض النخب الأوروبية، وشاملا لموضوعات عدة توضح مسار السياسة الخارجية السعودية، وتفسيرا لبعض الادعاءات الملفقة التي كان المجتمع الدولي يأخذها على عواهنها ويؤاخذ عليها الرياض دون تفحص أو تبيّن، لاسيما وأن الدور السعودي بحيويته وفاعليته سيتعرض لمثل هذا النوع من المحاصرة بالشائعات، والهجوم السافر المثخن بالتلفيقات.

لكن الرياض ومن واقع خبرتها في العمل السياسي وتاريخها الطويل من الشراكة في قضايا المنطقة والتعاون الدولي، والجبير بخبرته السياسية، كانا بالمرصاد للكثير من هذه البالونات المجزأة من القضايا، ومنصة لإلقاء الضوء على الكثير من النقاط التي أشكل فيها الفهم على الصعيد الخارجي. وقال الجبير بهذا الشأن “معلوماتكم حول السعودية مبنيّة على شائعات، ولن نقبل أن يُحاضرنا أحد، فلسنا جمهورية موز”.

واسترسل الجبير في حديث كان في الصميم، عن سأم المنطقة من إلقاء المحاضرات عليها والتعامل معها بفوقية، واعتماد سياسة المعايير المزدوجة من حكومات الغرب وإعلامه ومنظمات حقوق الإنسان المشبوهة، وأنه آن الأوان للرد عليهم بمنطقهم وقد انتهى زمن الصمت.

لقد كانت نبرة الحديث حادة وقوية، في واحدة من أكثر نقاط الاختلاف التي تسببت في جرّ المنطقة إلى واد سحيق من الويلات المريرة، وأن تجارب المجتمع الدولي، والغرب على وجه الخصوص، في فرض المعايير التي يعتمدها، أدت إلى الفوضى. حدث ذلك مرتين، على طريقة غزو بغداد لإرساء دعائم الديمقراطية كما رُوج له، وفي دعم عمليات الربيع العربي التي انتهت إلى ما تقاسيه المنطقة اليوم من فوضى واضطراب وقلاقل. وأن ذلك لم يكن ليحدث لولا فجوة الفهم بين الطرفين، والحسّ الاستعلائي الذي تتعامل أوروبا على أساسه، والاعتماد على سرديات جماعات ودعايات حزبية وأيديولوجية، تمارس ألاعيبها في غرف وقاعات العواصم الغربية وتؤثر في خياراتها المتصلة بالمنطقة، وعلى ذلك أن يتوقف بالاستماع إلى عواصم الاعتدال والاستقرار واحترام توجهاتها وطريقتها في النظر إلى الأمور وتسييرها.

إلى جانب ذلك، حمل حديث الجبير في البرلمان الأوروبي ثلاث نقاط جوهرية كان يجب أن تصل إلى أوروبا بمثل هذا الوضوح.

‏النقطة الأولى أن السعودية دولة ذات سيادة لا تقبل إملاء التوجيهات خصوصا في سيادتها القضائية، رغم كل التجييش والدعاية السوداء التي تتهمها بانتهاكات لحقوق الإنسان، هي في الواقع مكذوبة ولا تتجاوز عرقلة جهود المملكة للحدّ من تغول التطرف وهندسة الاعتدال في بنى المجتمع ومساءلة الثوابت الاجتماعية وفحصها بما يجهز المجتمع لشروط المرحلة النهضوية ويؤسس لنقلتها النوعية في كافة المجالات.

‏والأمر الآخر، أن إيران هي الراعي الأكبر للإرهاب، وأن المناخ المتخذ حاليا لمعاقبتها كان منتظرا منذ مدة، بهدف إعادة إدماجها في المجتمع الدولي، والحد من سلوكها التخريبي، ولا يهدف إلى إشعال صدام ليس في وسع العالم أن يتحمل تبعاته.

وأخيرا، دور أوروبا المهم اقتصاديا وسياسيا في المنطقة، بدعم فرص استقرار العالم واعتداله، وأن ذلك سيكون يسيرا لو جرى عبر التعامل الصادق مع العواصم التاريخية في المنطقة التي كانت محورا في كل المشاريع الخيرة وسدا منيعا يحول دون انزلاق العالم إلى المزيد من الفوضى ومشاريع الخراب، لقد وضع الجبير النقاط على الحروف.