عمر علي البدوي يكتب:

أزمة قطر: لا جديد

موجة جديدة من المكابرة تقترفها الدوحة، من الإمعان في بحر السلوك الشاذ الذي تتبناه، والنعيق خارج السرب، والسحب من رصيد مصداقيتها المتهتكة، وشحذ آلتها الدعائية من جديد للهجوم على عواصم الرباعي العربي الذي اتخذ قرار مقاطعتها والحد من جرأتها على استقرار المنطقة ونقاط تماسكه.

فيما يشبه رد فعل عكسي على هزيمة جديدة في محاولة اختراق جدار المقاطعة، بالالتفاف على أعضاء المجموعة الرباعية، والتواصل مع الرياض باستثناء بقية شركائها في مشروع معاقبة قطر، لكنها طبخة فاسدة ومؤهلة للفشل، بعد أن أصرت السعودية على العناوين العريضة لإنهاء حالة المقاطعة وأن المسألة تستند إلى المبادئ العامة وليس التأثير الشخصي على القرارات الكبرى المتخذة.

ففي الوقت الذي تشهد فيه جهودها الطائلة لبناء نفوذها الهستيري، وخدمة أجندة اللاعبين الإقليميين انحسارا وارتباكا، على نحو ما تعانيه طهران من تبعات منظومة الضغط والعقوبات الأقصى، وتقاسيه أنقرة من ثمن تمددها الأعمى، تبحث الدوحة عن قشّة تصونها من لجج المحيط الهادر الذي أوقعت فيه نفسها.

لقد أعاد وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، الأمور إلى نقطة الصفر، في حديثه تحت قبة البرلمان الأوروبي، عن إصرار قطر على دعم المنظمات الإرهابية واستخدام منصاتها لنشر خطاب الكراهية وترويجه، والتدخل في الشؤون الداخلية للمملكة، وأنه يودّ لو كفت قطر عن هذا السلوك وتعاملت كدولة والتزمت بمضامين وعودها وعهودها لجيرانها.

وبالفعل، كان الضخّ المفاجئ الذي دفعت به منصات قطر الإعلامية وتصاعدت وتيرته في الفترة الأخيرة، مؤشرا على شعور الخيبة الذي ساور القيادة القطرية، وإمعانا في الذهاب بعيدا في استعداء جيرانها، وربما ضعف قدرتها وعجزها عن الخروج عن سيطرة اللاعبين الإقليميين الذين نفذوا إلى صميم أجهزتها واختطفوا قرارها وانتهكوا سيادتها.

إنه دليل على أن مدافع الماء جاهزة على الدوام، وأن قطر مستعدة دائماً لإعادة الشريط من جديد، وأن مسألة التزامها والوفاء بكلمتها ستظل دائماً محل شك ولا ترقى إلى مستوى أن تثق بها أو تضمنها، وليس أكثر من أن يوقّع أمير الدولة بخط يده على التزاماته أمام قيادات الخليج، ثم يقلب ظهر المجن بمجرد أن تمر العاصفة وتهدأ رياح العتب وتلمع فرصة للانقضاض.

تلعب حسابات التصعيد المعقدة في المنطقة فاعلا جديدا في معادلة قطر ومقاربتها. لقد وقعت في حرج شديد نتيجة اشتباك الخيوط بين يديها، إيران التي شكلت بالنسبة إليها ملاذا مفضّلا للهروب من عزلتها، تلقت ضربة قاصمة من طائرة درون انطلقت من أراضي قاعدة العُديد، وسريعاً سافرت قيادات قطرية في رحلات مكوكية للملمة الوضع وتدارك الموقف ودفع أثمان التعويض عن سياسة الازدواج.

ورطة قائمة تعيشها قطر اليوم، تدفع فاتورة سياسات الإيذاء التي ارتكبتها بحق جيرانها ومحيطها العربي، ونالت غضب العواصم المركزية في المنطقة، وعزلة مزعجة تزداد مع مرور الوقت حدة، ولا رد فعل لإنقاذ الموقف سوى الاستمرار في المكابرة والإيغال في التورط والنأي مسافات بعيدة عن عمقها الطبيعي.

أمنيات المصالحة الثنائية واللعب على خلط أوراق الرباعي تبخرت في الهواء، ولم يعد في مستطاع قطر سوى الأداة المزمنة التي راهنت عليها وفشلت كل مرة. وأصبحت لعبتها الإعلامية مكشوفة بعد أن فقدت مصداقيتها بارتهانها المزعج لأجندات الإخوان وأهواء البلاط الأميري، نتيجة ذلك لم يعد لتصعيد نبرتها أو تخفيفها أثر أو ذكر.

والثابت أن عملية ابتزاز الدول أو إثنائها عن قرار المقاطعة، عبر مجموعة من القنوات والمنصات الزاخرة بالتلفيقات والأباطيل لا تصنع سياسة ولا تبطل مفعول قرار.