عمر علي البدوي يكتب:
الخليج وتهمة "صفقة القرن"
هناك تهمة مستهلكة بشأن دور خليجي مزعوم خلف تصفية القضية الفلسطينية، وأن قيادات السعودية والإمارات ساعدت على هندسة هذا المشروع الذي يقلّص حقوق الفلسطينيين ويضاعف مكاسب الإسرائيليين، وسوى ذلك من التهم الملفقة الجوفاء، التي اعتادت عليها الأذن الخليجية من الزعامات المنبرية التي تلجّ بالشعارات المهلهلة وتقضم فتات الأيديولوجيات المهزومة.
وكأن الرياض وأبوظبي أو سواهما من العواصم الخليجية تملك الأرض لتبيعها أو تقايض بها، رغم تأكيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس المتكرر على قطعية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وموقف بلاده الثابت تاريخياً مع حقوق الفلسطينيين الكاملة وأسبقية رضاهم عن أيّ خطوة ودعم خياراتهم وعدم النيل من حقوقهم تحت أيّ ظرف أو ضغط أو تسويف.
لكن جماعة من المحرضين، ومن بينهم فصائل فلسطينية مرتهنة لأوامر لاعبين إقليميين يزايدون على حرّاس القضية ويستنزفون مصداقيتها، لا يكفون عن تلفيق الأباطيل وتوزيع التهم وإلصاق العيوب بالعواصم النزيهة في ظل حالة الاستقطاب التي تشهدها المنطقة بين عواصم الاستقرار والاعتدال والمستقبل المتفائل وبين رعاة الفوضى وزعماء الأيديولوجيا المشوهة.
تصدّر رجب طيب أردوغان هذه الحملة الممنهجة، بهجوم فجّ على السعودية وحشرها بطريقة تعسفية في كلامه العنتري، حول صفقة القرن، ولام الرياض على عدم اتخاذ موقف، رغم أنها لا تجمعها بإسرائيل أيّ علاقة أو مشتركات كتلك التي تجمعها بأنقرة وأردوغان خصوصا، لكنه يحجب حقيقة صلته بالحكومة الإسرائيلية بغبار المعارك الكلامية، التي يفتعلها ويشبع غرور أنصاره وأشياعه المستسلمين تماماً لسياساته والمنخرطين في الترويج لرمزيّته المتوهمة.
قدمت الخارجية السعودية بياناً معتدلاً في موقفها من العرض الأميركي المسمّى صفقة القرن، شددت على ثوابت ما تتبناه تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، الذي لا يمكن التساهل بها، وعلى رغبتها في إنهاء الصراع الذي استنزف المنطقة وضاعف من متاعب شعب أعزل تكالبت عليه الظروف والمزايدون على حقه الطبيعي في العيش والكرامة والاستقلال. وأكدت دعمها مع بقية عواصم الاستقرار أيّ تحريك لركود مياه القضية، وأيّ انفراجة يمكن أن تعيد الحياة إلى الملف بعد عقود من الإهمال والتأجيل والتجاهل.
هذا لا يعني بأيّ حال الضعف والتنازل عن حق فلسطيني حتمي، لا يملك أحد الخيار أو القرار في البتّ بأمره دون أهل الشأن وبمعزل عن أصحاب القضية. وقال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش قولاً فصلاً في هذا السياق، بأن الدعم العربي والإيمان بعدالة القضية الفلسطينية رصيد إيجابي يعوّل عليه ولا يجب أن يهدر، لكنه لا يكفي لتغيير موازين النفوذ والقوة، فلا تمكن مواجهة الموقف التفاوضي إلا بموقف تفاوضي مقابل، وما يتمّ عرضه نقطة انطلاق ولا يعني بالضرورة قبوله، وتبقى السياسة فنّ الممكن.
ويبدو أن دول الاعتدال العربي تأمل في استثمار جدية الرئيس دونالد ترامب لتحرك الجمود، الذي اعترى القضية الفلسطينية، وإحراج تعنت إسرائيل الدائم في وجه كل العروض المقدمة، والعنجهية التي أصبحت طاغية في سلوكها وردّات فعلها، من أجل إعادة القضية الفلسطينية إلى واجهة الأحداث بعد أن توارت خلف ركام الفوضى والمشكلات المستعصية، التي تسبب بها رعاة التطرف ومقوّضي الاستقرار وزعماء العنتريات.
ويبدو أيضا أنها تأمل في قطع دابر الانتهازيين، الذين يستثمرون في أوجاع شعب مغلوب على أمره لتحقيق أغراضهم السياسية ومآربهم الوصولية. وتسعى لوقف عمليات التزييف والالتفاف على القضية الأعقد في واقعنا المعاصر وإنهاء عقود من الاستنزاف والاستهلاك، الذي أخّر حق شعوب المنطقة في التنمية والاستقرار.