عمر علي البدوي يكتب:

عثرة "قطر" المزمنة

انتكاسة متوقعة في سير المحادثات السعودية القطرية، في ظل ما تواظب الدوحة على اقترافه من أخطاء فادحة بحق جيرانها وهي تؤلب عبر منصاتها وتجمع النقائض السياسية وتتحالف مع كل من يشهر خنجره في وجه الخليج بدوله وشعوبه.

عالقة في خياراتها المزدوجة، وفي سياساتها العبثية، تحاول الدوحة إحداث تقدم في محادثاتها مع السعودية، المحادثات التي تطمع في أن تدق بها إسفينا في تماسك الرباعي العربي، الذي قرر مجمِعا مقاطعتها والتوقف عن التعاطي معها، بعد أن استنفدت كل خيارات التسامح والتصالح والعفو، وأثبتت إصرارها على الخروج عن جادة صواب العلاقات الطبيعية بين الدول فضلا عن الجيران.

كانت قطر وهي في وسط المحادثات تنقض غزلها، ترسل مبعوثيها إلى الرياض لتحصل على فرصة ولو ضئيلة لتحريك الملف، في وقت تنشط فيه المنصات الإعلامية التابعة لها، في بث دعايتها السوداء ضد دول الخليج وتبرم صفقات مشبوهة ضد مصالحها في اليمن وليبيا ومصر والعراق خدمة لأجندة تركيا وإيران، في استمرار لازدواجيتها المزمنة ولعبتها الخطرة على حبال المتناقضات.

أدمنت الدوحة هذا الدور السلبي، أصبحت هي والوظيفة الرديئة التي تبنتها منذ عقدين شيئا واحدا، لا يمكنها التنازل عنها أو التفريط بها، لأن في ذلك ذهاب ريح النظام، الذي يشهد انهيار أحلام الزجاج التي شيدها على حواف الماء وشفير الأوهام.

ودّت قطر في محادثاتها الأخيرة أن تحصل على تسهيلات إجرائية تساعدها في رفع الضغط الشعبي من الداخل بعد أن استنفدت كل المبررات التي كانت تسوقها على سبيل المظلومية، لكن الحقائق كانت جليّة في ارتهان الدوحة لخيارات أنقرة وطهران، وانشقاقها عن إجماع جيرانها وعمقها الطبيعي، وتهتك النسيج الاجتماعي الذي يربطها بهم نتيجة سلوك سياسي كارثي وخيارات مؤداها الفوضى والقلاقل. كما أن الكثير من الاستحقاقات التي بذلت الدوحة الكثير لنيلها، لم يكتب لها النجاح في ظل هذا المناخ الاستعدائي، الذي تبديه تجاه جيرانها وظروف التوتر الذي تسببت فيها لنفسها.

كان إقبال قطر على المحادثات بدافع تحايلي، دون جدية ولا استعداد لنقاش جوهر المشكلة التي وقعت بها، لاسيما أن العزلة التي تعانيها الدوحة تزداد ضراوة بعد أن استبعدت كليا من السودان وسوريا وجزئيا من ليبيا. وضاعف ذلك تكاليف وأعباء المقاطعة مع تفاقم الفجوة مع جيرانها ومحيطها الطبيعي.

وبطبيعة الحال كانت الرياض حاسمة في جوابها تجاه المحاولات القطرية على طاولة المفاوضات، في أولوية أن تبدي قطر تغييرا جوهريا في مسلكها، ولاسيما في سياستها الخارجية التي أيدت فيها الدوحة أطرافا مناوئة في صراعات إقليمية عدة.

تاريخ قطر مع المعاهدات والمواثيق لا يشجع على الثقة بها، بعد أن أفرغت اتفاق الرياض 2014 والتكميلي العام التالي، من مضامينه تماما، والذي كان أساس الأزمة التي تعانيها اليوم ووقود المقاطعة التي تدفع ثمنها. كما أن سلوكها الإعلامي السلبي، الذي يزيد إشعال نار الخلاف عبر تجنيد جيوش مشعلي الفتن وزبانية لهيب الفرقة، يبدد كل سعي جاد لإنهاء المعضلة وإرساء قواعد الحل، ويقوض أي ثقة محتملة ويعزز الرأي القاطع بعدم جدية قطر في إنهاء أزمتها أو التنازل عن مشروعها البائس.

هناك أيضا عدد من اللاعبين الإقليميين، يضغطون لاستمرار قطر في سلوك هذا الطريق، لأنهم يجدون فيها ممولا لمشاريعهم ومروجا لسياساتهم وثغرة في الكيانات المنافسة لهم. وكثيرا ما كانت الدوحة حصان طروادة ضد جيرانها، وخزينة مستباحة لتأمين تغطية مالية ومظلة مصرفية لمشاريع الفوضى والخراب، ومنصة تلميع لرموز ومشاريع وسياسات كل من طهران وأنقرة، وهما لا تريدان خسارة ظهير مفيد من هذا النوع.