عمر علي البدوي يكتب:

الجماعات الإخوانية تعمق أزمات اليمن

إخفاق جديد سجله الجيش الوطني، الذي يتبع الحكومة اليمنية الشرعية في منطقة الجوف، شكل هزّة في حسابات الواقع اليمني وفرض إعادة النظر ومراجعة الذات. فرغم أن الحرب القائمة عرضة لمثل هذا النوع من الكرّ والفرّ بين الجانبين، إلا أن طبيعة الحرب لا تلغي الحاجة الملحّة لمساءلة الذات أمام هذه الخسارة الجزئية في معركة مفتوحة منذ أكثر من خمس سنوات، تكبدت فيها اليمن أعباء ومتاعب ومشقة كبيرة.

حقائق الأرض تؤكد أن ميليشيا الحوثي ارتكبت جرائم شنيعة في حق المدنيين عقب دخولها مدينة الحزم مركز الجوف في سياق نقمتها المتعاظمة ضد شعب أعزل يرفض سيطرة الجماعة الانقلابية وينشد وطنا جامعا ومعتدلا ولا يخضع لأجندة خارجية تستفز جيرانه وتشق صفوف أبنائه وتستعدي المحيط العربي والطبيعي على دولته. كما منعت الميليشيا من تبقى من الأسر من المغادرة واتخذتهم دروعا بشرية، بعد إعدام مدني حاول الخروج من المدينة أمام أسرته. ونفذت عمليات اقتحام ونهب وتفجير وإحراق لمنازل شخصيات اجتماعية وضباط وموظفين حكوميين.

خسارة مركز مدينة الجوف جاء ضمن سلسلة إخفاقات، بدأت في نهم، لكن هذا التداعي لم يغير في حسابات بعض المؤدلجين ومن أدعياء الغيرة على وحدة التراب اليمني. ففتح التيار اليمني المتأخون نيران انتقاداته على قيادة التحالف العربي، رغم أنه لم يتوان عن خدمة البلاد وحكومتها الشرعية وإنقاذ شعبها من غائلة الجماعة الحوثية. وقدم بذلك أفضل خدمة لتمرير تلك الخسارات المتتابعة والتعمية على مصير القضية المركزية لصالح معارك هامشية متوهمة ومكايدات مفتعلة لخدمة رعاته في قطر وأنقرة وربما طهران أيضا.

لا يحتاج الجهد التاريخي الذي قدمه التحالف العربي للدولة اليمنية إلى أدلة، فهو الذي أعاد الأمل إلى نفوس اليمنيين باستعادة وطنهم وكامل ترابهم وتقديم الظهير العسكري والمعنوي لوقف زحف الجماعة الانقلابية لابتلاع كامل اليمن بما في ذلك باب المندب، الذي كان جزءا من أحلام إيران لتطويق الجزيرة العربية من كافة جهاتها، ولولا هبّة التحالف العربي لما أمكن منع ذلك.

بعد إخفاق الشرعية والجيش الوطني في الحفاظ على تلك المناطق المحررة، غرق بعض المحسوبين عليها، في كيل التهم المهلهلة عن مسؤولية التحالف وتقصيره، بينما تشير القراءة المتمهلة في واقع أداء الأجهزة الرسمية المحسوبة على الحكومة الشرعية، إلى حجم التلاعب والتقصير، المتعمد ربما، والذي أصبح من الواجب الآن إعادة النظر فيه والتوقف عن التساهل في أمره.

يحاول الحوثي، وبعض مندسّي الإخوان في الحكومة الشرعية زرع الإحباط في نفوس اليمنيين. ويسعى دفعهم للتسليم والإقرار بسيطرة الجماعة الانقلابية على اليمن والتنازل عن مقاومتهم وتضحياتهم. ويحاول إجبارهم على التخلي عن مشروع استعادة الوطن من قبضة الانقلابيين، عبر صناعة الإحباط التي تبرع فيه جماعة الإخوان المسلمين بالتشويش على جهود التحالف العربي وخلط أوراق الحكومة الشرعية واستنزاف جهودها في الجبهات الوهمية.

لكن التحالف العربي لا يزال يحتفظ بالخطوط العريضة لجهده العسكري وعزيمته على استعادة الشرعية وضمان عودة البلاد في أيادي أهلها وإنقاذهم من انفراد الجماعة الانقلابية وعبث الجماعة الإخوانية المؤدلجة ومن والاها في قطر وسواها.

المؤشرات تتزايد على أن إيران لا يمكن أن يكون لها دور في اليمن، بعدما سببت له الدمار والخراب عبر دورها الظلامي في المنطقة ودعمها للمنظمات الإرهابية وزعزعة الأمن في المنطقة، في وقت تجدد فيه السعودية التزامها بالحل السياسي في اليمن ويتزايد إدراك الأطراف اليمنية لأهمية حل النزاع سياسيا، إضافة إلى تصاعد وعي الشعب اليمني بأنه يستحق مستقبلا أفضل، وأن ذلك المستقبل لا يمكن بلوغه إلا بتحقيق السلام وانطلاق عمليات إعادة الإعمار.