عمر علي البدوي يكتب:
قانون "الذوق العام" يعدّ السعوديين لمرحلة التغيير
طرحت السعودية، في الآونة الأخيرة، مجموعة من القوانين والأنظمة والتشريعات الجريئة في إطار سياسة اجتماعية جديدة، من ذلك قانون “الذوق العام” وهو قانون توازن فيه المملكة بين جهود الانفتاح والتغيير ويتلاءم مع جملة من الإصلاحات الطموحة للقطع مع الموروث والتشدد الديني من جهة، وتراعي فيه قيم المجتمع السعودي وهويته من جهة ثانية.
أصبحت الأخبار المتعلقة بضبط مخالفات قانون الذوق العام أمرا شائعا في السعودية، على ورق الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي تعلن الجهات الرسمية بين حين وآخر ضبط أعداد من منتهكي القانون ولوائحه التفصيلية. كما أن ناشطي مواقع التواصل الاجتماعي يتبادلون بين وقت وآخر مقاطع مصورة ولقطات تتضمن مخالفات صريحة للقانون، مطالبين جهات الضبط بالتعامل معها ومباشرتها، الأمر الذي يجد تفاعلا واستجابة سريعة من جهتهم.
وأصبحت هذه المفردة في غضون أشهر جزءا من تعامل السعوديين وحراكهم الاجتماعي، رغم النقاش والجدل الطويل الذي اشتعل بينهم بمجرد صدور القانون حول بعض التفاصيل المتعلقة به، وما إذا كان مريحا، وبشأن إمكانية مخالفة بعض العناصر فيه للذوق العام، وعن مدى تأثير تطبيقه والأخذ به على خصوصية الأفراد وحرياتهم الشخصية كان هذا القانون محور نقاش شارك فيه أكاديميون ونشطاء اجتماعيون، استدعى الجهات المعنية لتوضيح بعض النقاط الغامضة حوله وعن كيفية تطبيقه، وإلقاء الضوء على الزوايا المشكلة فيه. ولكن بمجرد سريان القرار والبدء في تطبيق القانون اتضحت الصورة بشكل أفضل وبدأ المجتمع يستوعب ويهضم هذا القانون ويتفاعل معه بشكل أفضل.
رصد مخالفات
أصدر وزير الداخلية السعودي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف، الضوابط الخاصة بتطبيق لائحة الذوق العام، التي دخلت حيز النفاذ في البلاد بدءا من نهاية سبتمبر الماضي.
وكان مجلس الشورى قد صادق في التاسع من أبريل الماضي، على قانون “الذوق العام” المتكون من 10 بنود.
وعرّف القانون الذوق العام بأنه “مجموعة سلوكيات تعبر عن قيم المجتمع ومبادئه وهويته”. ويرمي هذا القانون إلى “المحافظة على قيم وعادات المجتمع السعودي ومراعاة خصوصيات الناس ومعاقبة كل من يتلفظ أو يقوم بفعل يضر أو يخيف مرتادي الأماكن العامة”.
وحددت لائحة الذوق العام 19 مخالفة يعاقب مرتكبها بغرامات مالية، أقلها 50 ريالا (13 دولارا) وأعلاها 3 آلاف ريال (800 دولار).
وتشمل المخالفات المنصوص عليها في لائحة الذوق العام، ارتداء اللباس غير اللائق في الأماكن العامة أو الملابس الداخلية وثياب النوم، أو تلك التي تحمل عبارات أو صورا أو أشكالا تخدش الحياء، أو ذات رمزية عنصرية أو تسهم في إثارة النعرات، أو تروج للإباحية وتعاطي الممنوعات.
تعودت السعودية في الفترة الأخيرة على طرح مجموعة من القوانين والأنظمة والتشريعات التي تستجيب لحزمة من التحولات في عمق الواقع السعودي، على نحو ما فعلت بإقرارها قانون مكافحة التحرش بالتزامن مع السماح للمرأة بقيادة السيارة لتنظيم عملية نزولها إلى الشوارع بعد منع طويل وعقيم، وزيادة حضور المرأة وتمكينها من العمل في القطاعين العام والخاص بنسب عالية كانت تمنعها التقاليد وهشاشة القوانين وضعف قابلية المجتمع لاستيعاب هذه القرارات.
ولجعل الأمور واضحة ومنظمة بشكل قانوني وحضاري، أقرت الحكومة السعودية قانونا يجرم أعمال التحرش في البلاد، ويفرض عقوبات صارمة تصل إلى حدّ السجن سنتين، في إطار سياسة اجتماعية جديدة بدأت مع تولي العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز مقاليد الحكم في المملكة.
وعلى هذا النحو أصدرت السعودية لائحة الذوق العام على مسافة زمنية قصيرة من بدء إصدار تأشيرات سياحية للمرة الأولى في تاريخها، لتفتح بذلك التأشيرة الجديدة لمواطني 49 دولة.
ولضمان تقديم تجربة سياحية مرموقة ومنضبطة وتلافي أي أخطاء قد تطرأ مع فتح الأبواب لتوافد سياح أجانب إلى السعودية، نظمت السلوكيات العامة قانونا لتجهيز المجتمع وتحضيره ليتوافق مع المناخ المأمول في التعاطي مع المتغيرات الجديدة.
وكانت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أعلنت عن تدشين موقع خاص للتقديم على التأشيرة السياحية ونشرت فيه جدول المخالفات والغرامات بعدة لغات على روابط مخصوصة لهذا الغرض.
سياسة اجتماعية جديدة
بالتزامن مع بدء سريان تنفيذ اللائحة، نظمت الجهات التعليمية والتوجيهية الكثير من الورش التعريفية والبرامج التوضيحية التي تستهدف نقل هذا المفهوم إلى الأوساط الاجتماعية، في المدارس والجماعات والحواضن الطلابية، وعلى منابر المساجد وفي الملتقيات الشبابية والدوائر الحكومية والأهلية.
وأقيمت الفعاليات التعريفية للائحة الذوق العام التي تعمل على تحسين السلوك العام للمواطن من ناحية المظهر وبعض الآداب الأخرى تحت إشراف ومتابعة أمراء المناطق ومحافظي الأنحاء وفي كافة قطاعاتها الأمنية والتعليمية والخدمية والخاصة.
وعلق أمير منطقة عسير تركي بن طلال بن عبدالعزيز بهذا الشأن “علينا أن نعمل سويا للحدّ من السلوكيات الخاطئة، التي لا تُلائم الذوق العام الذي جاء ديننا معززا له، علينا أن نكون قدوة في سلوكياتنا المنطلقة من قيمنا السامية، وقد كان عليها أباؤنا وأجدادنا، والتي جاءت لائحة الذوق العام لتعززها وتحميها”.
وعلى تويتر، الوجهة المفضلة للتعليق في قضايا الشأن العام، تباينت آراء السعوديين حول تطبيق القانون الجديد، فاستقبلوه بالترحيب تارة، وبالانتقاد أحيانا، لاسيما فيلاما يتعلق بتفسير بعض البنود، وفي اعتبار بعض السلوكيات فعلا خاطئا حسب اللائحة.
ويشير الباحث الاجتماعي وحيد الغامدي إلى أن “الانتقال لمرحلة التمدّن الحقيقي يكون عبر سنوات من تراكم التجربة الاجتماعية وليس بين يوم وليلة، لكن أي طريق يبدأ بالخطوة الأولى فحسب.. من ربط حزام الأمان، ومراعاة قواعد الطريق، والمظهر الإنساني المقبول، من هنا، تبدأ رحلة المجتمعات للتطور”.
من جهته يلاحظ الكاتب الصحافي غازي الحارثي “أن لائحة الذوق العام وحدها بشكلها الحالي لا تكفي للحدّ من الأشكال والمظاهر المزعجة للنظر أولا والمسيئة للبلد وثقافته، فيديوهات وصور كثيرة تنتشر لنماذج سيئة تبدو عقوبات اللائحة مخفّفة أمام ممارساتها”.
أما عبدالسلام الوايل وهو أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود فيشير في معرض حديثه عن التحولات الاجتماعية الجديدة التي يشهدها السعوديون، إلى أن” ثورة الاتصالات ومواقع التواصل غيرت في منظومة القيم، وجعلت الأجيال الجديدة ذات قيم “عولمية”، وكل ما يطرح للتواكب مع متطلبات هذه الفئة مضمون النجاح”.
ويعتقد أن هذا التوجه العارم الذي تمارسه السعودية (بما فيه منظومة القوانين والتشريعات) توفر الأرضية التي تتشرب مزاج الأجيال الجديدة وطلبهم لأساليب الحياة العصرية والحداثية.
وفي بعض تجاربنا الأخيرة، قوبلت بعض التغيرات الاجتماعية برفض وقتي، وهو أمر طبيعي لا يستدعي الخوف والقلق، بل يزول بمجرد استجابة الدوائر الرافضة لهذه التغيرات وتسجيل إقبال لافت على هذه النشاطات الجديدة بمجرد أن مورست واكتشف المجتمع فائدتها وفاعليتها، لأن بعض جوانب التنظيم الاجتماعي قد تكون غائبة في الوهلة الأولى، حسب ما ذهب إليه الوايل.
واعتبر أن “القلق على الهوية يصاحب كل المجتمعات في العالم أثناء مراحل تغيرها، لكن قلقنا على هويتنا مبالغ فيه، والعرب فوتوا الكثير من الفرص بسبب خوفهم الثقافي من التغيير والخوف من أن يقود التغير، المجتمع إلى الانهيار الأخلاقي”، وهي قضية ذات مصداقية حسب رأيه، لكنه يعول على سلطات الضبط الاجتماعي للعمل على صناعة الوعي وإدارة السلوك العام حسب مفردات جديدة تتخلى عن بعض التفسيرات التقليدية والبناء على أسس جديدة تستجيب لتبلور مجتمع حديث ومعاصر وأكثر اتصالا بالقيم العولمية.
وبشأن الذوق العام، شدد الوايل على تحسين تطبيق النظام بطريقة مرنة وعدم قسر المجتمع على بعض التفسيرات الضيقة التي قد تتعارض مع توجه البلاد إلى فضاءات أكثر انفتاحا ومعاصرة.
وقبل سن لائحة الذوق العام، تأسست الجمعية السعودية للذوق العام في المنطقة الشرقية سنة 2017 تحت مظلة وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وتعمل على نشر ثقافة ومفهوم الذوق العام لكافة فئات المجتمع من خلال الرقي بالذائقة في جميع التعاملات والتصرفات لجوانب الحياة المختلفة.
وقال المدير العام للجمعية بدر بن محمد الزياني، إن الجمعية أتت لتعميق مفهوم الذوق العام حيث أن الأسر والمدارس والمساجد تقدم ذوقيات لكن ربما تكون متخصصة في مجالها ما نقوم به هو زيادة وتعميق الذوق العام في كافة المجالات.
تفاعل إيجابي
تعمل الجمعية على وضع معايير وبروتوكول للذوق العام في المجتمع. وعن التفسيرات الفضفاضة أحيانا لبعض بنود ومفردات الذوق العام، بحيث يجري الاختلاف عند تقييم بعض السلوكيات، قال الزياني، يمكن ضبط هذا من خلال ما جاء في تعاليم الدين الإسلامي من مكارم الأخلاق وأيضا من هويتنا السعودية والأعراف الدولية المتفق عليها في البرتوكول.
وعبر عن دعمه لسنّ نظام للحفاظ على الذوق العام، وأن المجتمع سيكون مرحبا ومتقبلا للتغيير بمجرد أن يجد آثار مثل هذه القوانين التي شرعت لخدمته وصون مقدراته، وستكون ردة الفعل إيجابية من خلال ما يردهم من اتصالات وما يلمسونه من المجتمع خلال نشاط الجمعية.