الجمعي قاسمي يكتب:
"درون" تركية لتونس تعزز مخاوف الاختراق
تُخطط تونس لشراء عدد من الطائرات المُسيرة تركية الصنع، وذلك في الوقت الذي تتهاوى فيه تلك المُسيرات تباعا في محيط العاصمة الليبية طرابلس، وعلى تخوم مدينة إدلب السورية، الأمر الذي أثار استغراب الخبراء العسكريين والأوساط السياسية التي حذرت من مخاطر تسلل التغلغل التركي في تونس إلى المؤسستين العسكرية والأمنية.
وكشفت تقارير استخباراتية أن السلطات التونسية تتفاوض حاليا مع تركيا لشراء عدد من الطائرات المُسيّرة لتعزيز قدراتها الجوية في مجال مكافحة الإرهاب، حيث ذكرت مجلة “أفريكا أنتلجنس” أن مجمع الصناعات الجوية التركية “تاي” والشركة التركية الخاصة “بايكار ماكينة”، المقربة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عرضا على الجيش التونسي تزويده بطائرات عسكرية دون طيار.
واعتبرت في تقرير لها أن السلطات التركية “تسعى إلى تعزيز نفوذها العسكري في منطقة شمال أفريقيا عبر محاولة استثمار حاجة الجيش التونسي إلى آليات عسكرية متطورة لمحاربة الإرهاب، وعرض إبرام صفقات معه في هذا المجال”.
ولم يتسن التأكد من صحة هذه المعلومات من وزارة الدفاع التونسية، غير أن ذلك لم يمنع الخبير الأمني التونسي، العقيد المتقاعد علي الزرمديني، من القول إن مثل هذا الأمر وارد، بالنظر إلى الصفقات السابقة التي أبرمتها تونس مع تركيا لشراء جملة من المعدات العسكرية والأمنية.
واشترت تونس مركبات مدرعة متعددة الأغراض بالإضافة إلى أنها طلبت الدعم اللوجستي من مؤسسة “بي.أم.سي” التركية، وحصلت أيضا على معدات عسكرية تركية، بما في ذلك سبعون عربة مدرعة من طراز إيدر من مؤسسة “نورول ماكينا”، إضافة إلى مئة مركبة مدرعة من طراز “كيربي”.
وفي عام 2019، كانت شركتا “تركيش آيروسبيس إنداستريز” و”بايكار ماكينا” تقومان بتزويد الجيش التونسي بطائرات مسلحة ذاتية القيادة. وفي ديسمبر، أفيد أن شركة “تركيش آيروسبيس إنداستريز” انتهى بها المطاف لتكون الراعي الوحيد لعقد الطائرات ذاتية القيادة المسلحة، مع عقد المفاوضات اللازمة.
وفي الـ17 من ديسمبر 2019، مُنحت شركة “آيروفيرونمينت” عقداً قيمته 8.5 مليون دولار أميركي لتسليم ثماني طائرات ذاتية القيادة مع قطع غيار، والتي سيتم تسليمها بحلول نهاية مايو 2020.
وقال الزرمديني لـ”العرب”، “للأسف الشديد، هناك توجه نحو الاعتماد على الصناعة العسكرية التركية لتجهيز الوحدات العسكرية والأمنية بالمعدات والتجهيزات التي تحتاجها، رغم إجماع الخبراء على أن الصّناعة العسكرية التركية ليست في المستوى المطلوب، ولا تُضاهي صناعات الدول التي لها تقاليد كبيرة في هذا المجال، والتي يُفترض أن تتوجه لها تونس في هذه المرحلة”.
وسبق وأن كشف خبراء في تقرير استخباري يوناني عيوبا أصلية في إنتاج طائرات “بيرقدار” التركية وعدم قدرتها على الاستمرار في العمل لفترة أطول.
وكشفت وثائق نشرها موقع يوناني معروف بقربه من المراجع الأمنية والعسكرية في أثينا، أن الطائرات التي تسعى تركيا للتسويق لها على أنها أحد عناصر قوتها العسكرية توجد بها عيوب في الإنتاج تحول دون فاعليتها القصوى.
واعتبر الزرمديني أن هذا التوجه “محكوم بتوجهات سياسية باتت معروفة”، وهو أمر من شأنه تمكين تركيا من التغلغل في تونس بعد ليبيا، وهو ما يستدعي إعلاء الصوت للتحذير من مخاطره، باعتبار أن “النزعة التوسعية والاستعمارية التركية لا تقل فظاعة عن التوجه الاستعماري الغربي الذي عانت منه دول المنطقة”.
ودعا في هذا السياق إلى الاحتكام للمصلحة العليا للبلاد، والتوجه نحو الصناعات الجوية التي أثبتت قدرتها للتزود بمنتوجها، ذلك أن المُسيّرات التركية أثبتت محدودية قدراتها الميدانية في ساحة القتال.
وتُؤكد ساحات القتال في ليبيا وسوريا أن الطائرات المُسيّرة التركية تتهاوى وتتساقط تباعا في محيط العاصمة الليبية طرابلس، وعلى تخوم مدينة إدلب السورية.
واستطاع الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر إسقاط وتدمير أعداد كبيرة من مختلف أنواعها، مثل “بيرقدار تي بي 2″، فيما تمكن الجيش السوري من شل نشاط تلك المُسيّرات في مدينة إدلب.
ويؤكد الخبراء العسكريون أن المُسيّرات التركية ليست ناجعة في المهام القتالية لعدة اعتبارات أبرزها محدودية وزن الذخائر التي يمكن أن تحملها، إلى جانب مدى تحليقها الذي لا يتجاوز 150 كلم، الأمر الذي يُفقدها الفاعلية والقدرة على المناورة.
ولم يتردد الزرمديني في دعوة المسؤولين العسكريين والأمنيين التونسيين إلى مراجعة جميع صفقات التسليح المُوقّعة مع تركيا، والتوجه نحو الأسواق المعروفة بجودة الإنتاج، لافتا في هذا الصدد إلى السوق الأميركية، التي قال إنها تبقى الأفضل لتونس خاصة وأنه ليست هناك أيّ موانع تحول دون ذلك.
وكانت وزارة الخارجية الأميركية قد وافقت في الـ26 من فبراير الماضي على صفقة أسلحة لفائدة تونس بقيمة 325.8 مليون دولار، في انتظار موافقة الكونغرس عليها.
وذكرت وكالة التعاون الأمني الدفاعي الأميركية في بيان لها، أن وزارة الخارجية الأميركية وافقت على قرار بيع 4 طائرات هجومية خفيفة من نوع “ولفرين أ تي – 6 سي” لتونس، إلى جانب أنظمة تحكم إلكترونية وصواريخ موجهة تستخدم مع الطائرة، بالإضافة إلى 3290 وحدة من “أنظمة أسلحة ضاربة موجهة متطورة”، ومحركات احتياطية للطائرات.
وأمام تزايد الحديث حول صفقات تسليح تونسية مع تركيا، ارتفعت الأصوات المُحذّرة من هذا التوجه الذي يدفع نحو استحضار أخطر السيناريوهات التي يخشاها الجميع، وخاصة منها دخول تونس ضمن دائرة النفوذ التركي الذي يسعى إلى تغيير معادلات موازين القوى نحو اتجاهات لا تخدم المصالح العليا للبلاد.
وترافقت تلك الأصوات مع سلسلة من المؤشرات التي تُعزّز تلك المخاوف، لاسيما وأن التغلغل التركي اتخذ أشكالا مُتعددة، وهو يتوسع باستمرار، اقتصاديا وتجاريا وكذلك أيضا ثقافيا، لكن الأخطر من كل ذلك أنه يتسلل تدريجيا ليشمل المؤسستين العسكرية والأمنية.
وبدأ هذا التسلل إلى المؤسسة العسكرية في العام 2012 أثناء فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة الإسلامية، حيث أبرمت تركيا صفقة مع تونس لتزويد جيشها بمعدات وآليات عسكرية شملت في بداية الأمر ناقلات جند ومدرعات، ثم سرعان ما تطوّر الأمر ليشمل المدفعية (اشترت تونس أكثر من بطاريات مدفعية ميدان من صنع تركي)، إلى جانب منظومات صواريخ أرض/أرض، ومدرعات خفيفة.
وتطوّر الأمر في العام 2018، عندما منحت تركيا قرضا لتونس بقيمة 200 مليون دولار، تم تخصيصه لشراء معدات وتجهيزات في مجالي الأمن والدفاع من تركيا، حيث وقّع على اتفاقية هذا القرض، زياد العذاري، الأمين العام السابق لحركة النهضة الإسلامية بصفته وزيرا للتنمية والاستثمار والتعاون الدولي، وسفير تركيا لدى تونس، عمر فاروق أردوغان.
وترافق التسلل التركي إلى المؤسسة العسكرية التونسية، مع تسلل مُماثل شمل المؤسسة الأمنية، بدأ أيضا خلال فترة حكم الترويكا، ثم تواصل لغاية الآن، حيث وقعت وزارة الداخلية التونسية اتفاقية في بداية شهر يناير الماضي مع شركة “بي.أم.سي” التركية للصناعات العسكرية لتزويدها بشاحنات مدرعة متعددة الأغراض من فئة 4×4 متوسطة الحجم.