إميل أمين يكتب:
لماذا الإمارات الأكثر سعادة؟
نولد جميعا سعداء، نولد وفي داخلنا "توق طبيعي" إلى السعادة، يظل معنا طول العمر، كل شخص على وجه البسيطة يمكن أن يكون سعيدا. السعادة هي إحساس بالغبطة الحقيقية طويلة الأمد.
كلنا ينشد السعادة، السعادة هدف نسعى إليه جميعا. كل إنسان أيا كانت ثقافته أو عمره أو درجة تعليمه يريد أن يصبح سعيدا. رغبتنا في السعادة لا حد لها، توقنا العاطفي إلى أن نكون محبوبين، دافعنا الجسدي للتكاثر والنماء، نزعتنا إلى التعبير الفني أو العلمي، جوعنا الروحي للمغزى والراحة في عالم مشوش محير، كل هذه تختلط وتمتزج معها رغبة عارمة لا تقاوم فيما نسميه السعادة.
يتساءل القارئ وهو محق في تساؤله: "لماذا الحديث عن السعادة الآن؟".
نهار الجمعة الماضي كانت الإمارات، وللعام السادس على التوالي، تحتفظ بالمركز الأول عربيا في تقرير السعادة العالمي لعام 2020 والذي يصدر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، كما واصلت تقدمها عالميا متفوقة على العديد من الدول والاقتصادات المتطورة حول العالم.
تقرير العام الجاري جاء أكثر تخصيصا، ذلك أنه ولأول مرة أطلق ما يعرف بـ"مؤشر سعادة المدن"، الذي يقيّم رضا الأفراد عن حياتهم، وكانت أبوظبي ودبي في المقدمة عربيا.
والشاهد أن القراءة المعمقة للتقارير الخاصة بالأعوام الستة المنصرمة، تبين لنا أننا أمام عمل احترافي إلى أبعد حد ومد، وليس فكرة دعائية، لا سيما وأن كافة مؤشراته تربط ما بين مستوى السعادة وقدرة السلطات المحلية على تحقيق أهداف التنمية المستدامة في هذا البلد أو ذاك.
لماذا ارتبطت السعادة بالإمارات بنوع خاص؟
ابحث عن زايد الخير رحمه الله أول الأمر وآخره، إنه فيلسوف الصحراء الذي استمد من صمتها، ما كفل له أن يكتشف قبل عقود طوال عن حاجة الإنسان إلى السعادة، تلك التي تمثل أعظم الخيرات، والتعبير هنا للفيلسوف العربي الأشهر "أبونصر محمد الفارابي"، الرجل الذي اجتهد طويلا في طريق بحثه عن المدينة الفاضلة.
لم يذهب الأب المؤسس زايد الخير في طريق البراجماتية غير المستنيرة المتكالبة على المنافع الاقتصادية قصيرة النظر، ولا امتحن شعبه في نيران الأيديولوجيات التي تفرق ولا تجمع، وبالقدر نفسه عبر بنجاح فخاخ الدوجمائيات القاتلة، من خلال الإيمان الفطري البسيط.
نهار الجمعة الماضي كانت الإمارات، وللعام السادس على التوالي، تحتفظ بالمركز الأول عربيا في تقرير السعادة العالمي لعام 2020، والذي يصدر عن شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، كما واصلت تقدمها عالميا متفوقة على العديد من الدول والاقتصادات المتطورة حول العالم
في صلب تكوين الدولة اعتبر الأب المؤسس رحمه الله أن ثروته الشخصية هي سعادة شعبه، وهي كلمات تبدو في الأفق بسيطة، لكن الكمال والجمال في البساطة، وليس في التركيب أو التعقيد، فالسعادة شعور داخلي يحسه المرء بين جوانبه يتمثل في سكينة النفس، وطمأنينة القلب، وانشراح الصدر، وراحة الضمير والبال، نتيجة لاستقامة السلوك الظاهر والباطن المدفوع بقوة الإيمان.
استبق زايد الأب رحمه الله التفكير العالمي عن السعادة حين جعل توجهات دولته تسعى في طريق تحقيق جودة حياة أفضل للمجتمع عبر تكريس السعادة كأسلوب حياة، والإيجابية كطريقة تفكير، ورفع مستوى الوعي كنهج، وذلك من خلال استقطاب ومشاركة مجتمعية واسعة، بتجارب تفاعلية وتثقيفية متميزة.
قبل بضعة أعوام أجرى معهد "بيو" لاستطلاعات الرأي في واشنطن، وهو جهة لها موضوعيتها وموثوقيتها بدرجة كبيرة لا في أمريكا فحسب، بل حول العالم، دراسة عن مقياس الرضا النفسي بين عينة من مواطني بعض الدول الأفريقية مثل رواندا، غانا، زامبيا، مقارنة بأوروبا، والولايات المتحدة، وكانت النتيجة مذهلة، حيث ثبت أن درجة الرضا متساوية بالرغم من فارق الناتج القومي ورخاء المجتمع، وكان السؤال المنطقي: كيف ذلك؟
الجواب وجدناه عند الدكتور "أحمد عكاشة" عالم الطب النفسي الأشهر، وفيه أنهم عندما عادوا لدراسة الأسباب وراء ذلك، وجدوا أنها ترجع إلى حالة النسيج المجتمعي، واكتشفوا أن الرضا النفسي وجودة الحياة، ومدى متانة النسيج الاجتماعي، بداية بالأصدقاء، ثم الأسرة، ثم الجيران، والأهم المجموعات السياسية، الخيرية، الاجتماعية، العلمية والرياضية، جميعها توحد ولا تفرق، وتزيد من الإحساس بالسعادة.. أيكون هذا سر تقدم الإمارات بالفعل على مقياس السعادة الدولية؟
الثابت أن الناظر للنسيج المجتمعي الإماراتي يرى أنه يجمع ما بين الأصالة والحداثة، ويوائم بين التراث والتجديد، ويعطي أهمية للميكنة والأتمتة، لكنها لا تتجاوز أهمية البشر، وهذا ما يجعل السعادة في الإمارات عدوى مجتمعية محبوبة ومرغوبة من المواطن والمقيم، ومرصودة من جهات العالم الساعية لبلورة جواب عما يسعد الإنسان في دنياه.
جاء تقرير هذا العام وسط أزمة انتشار فيروس كورونا القاتل، والذي تجمع الآراء على أنه نتاج تلوث إنساني، وتفاعل الطبيعة مع هذا الإهمال، ما يعيدنا إلى قراءة المشهد الأيكولوجي، والتغيرات البيئية والخطر الداهم القائم والقادم في طريق الإنسانية.
هنا لم يكن من الغريب أن يحتوي تقرير السعادة هذا العام على علاقة البيئة ورفع سعادة المرء، ذلك أنه عندما تتوافر المساحات الخضراء كالحدائق، والمسطحات المائية مثل الشواطئ أو القنوات المائية، عطفا على الأجواء النظيفة، ترتفع تلقائيا سعادة الأفراد، الأمر الذي يفك لنا شفرة سعادة الإماراتيين في ضوء ما رسخ في ذهن قيادتهم عبر العقود الماضية من تطوير يحفظ للطبيعة قدرها، وللإنسان حقه في التمتع بها من غير أن يعرضها للخطر .
تجربة السعادة الإماراتية في واقع الحال ليست فورة أو ثورة عاطفية، بل رؤية طويلة الأمد، تتجاوز الحاضر إلى المستقبل، ومع أنها مهمومة ومحمومة بالحاضر ومعاصريه، إلا أنها تضع نصب أعينها المستقبل وأجياله، ولهذا تعمل حكومة الإمارات على تعظيم مقياس السعادة، في الحال، وتحرص على تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المستدامة في الاستقبال، وبما يحقق سعادة ورفاه القائم والقادم.
إنها الإمارات.. الدولة التي أضحت رسالة وسط محيطها الإقليمي وحول العالم، إمارات السعادة والرضا.